العودة إلى غزة...عبر صناديق الشهداء

صلاح حميدة

[email protected]

(سنعود الى غزة عبر صناديق الانتخاب، أو عبر صناديق الذخيرة )،تصريح مشهور قاله أحد الفارين من القطاع لقناة "العبرية!!" الفضائية، والحقيقة تقول أن هذا القائد يقول بلغة أخرى لم نستطع الانقلاب وتمرير مشروع إسرائيل وأمريكا في المنطقة، لا عبر صناديق الانتخابات، ولا عبر صناديق الذخيرة، ولذلك أرسل إشارة واضحة الى المعنيين في الأمر في تل أبيب وواشنطن، بأن العودة والانقلاب على خيار الشعب استنفدت، خاصة بعد فشل الحصار في تحقيق أغراضه السياسية، و بعد رفض حماس جعل الطرف الفلسطيني الذي يعبر عن الإرادة الإسرائيلية والأمريكية، رفضت منحه الفرصة ليجني ثمار الحصار بتنازل حماس عن ثوابت الشعب، ومنح من لا يؤتمن على ثوابت وحقوق وأموال وأعراض الشعب الفلسطيني، مفاتيح الحل والربط في القرار السياسي الفلسطيني.

من الواضح أن القرار كان بالإجماع من حلف اليهود والمنافقين واللحديين، بقطع رأس وإبادة القيادة التي ترفض الاستسلام في عصر النفاق و العمالة، من الواضح أيما وضوح التحالف القذر بين اليهود والعملاء من العرب، الحلف الذي يعيد للاذهان أحلاف بعض الأمراء الذين ينتسبون للإسلام من المنافقين في الأندلس مع أعداء الأمة، وحلف المنافقين والعملاء مع الفرنجة في حربهم ضد صلاح الدين الأيوبي، إذاً هذا الحلف ليس غريباً فله في التاريخ أمثلة كثيرة.

المراقب للأداء الإعلامي والميداني للأطراف العربية الرسمية، والطرف الفلسطيني الذي يسير في ركبها، يلحظ العديد من الملاحظات.

كان من الواضح من كل هذه الأطراف رغبتها في جر حركة حماس إلى مستنقع الاعتراف بإسرائيل والعمالة لها مقابل رغيف الخبز، وكان يغيظ هذه الأطراف الصلابة المطلقة لقيادة حماس، ورفضها لكل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، ورفضها قبول مبدأ رغيف الخبز مقابل العمالة للاحتلال، ورفضها الاستسلام، ورفضها دعوة الشعب الفلسطيني للاستسلام.

أداء حماس في ظل حرب الإبادة في غزة وخطابها الإعلامي كان واضحاً كوضوح الشمس: (لن نستسلم حتى لو أبدنا نحن وأبناؤنا وأهلنا)؛ هكذا أعلن هنية والأشقر وبحر وغيرهم. أعلنوا هذا وهم تحت القصف والقتل والهدم، تلك القيادة التي لا يهمها  كرسي ولا مؤسسة ولا وزارة، قيادة تحرص فقط على حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، وتبذل دونها الأرواح والدماء والكراسي والمؤسسات والأبناء، فقد أثبتت هذه الحركة أنها لا يفزعها تدمير مؤسسات ولا قتل أفراد.

الأطراف المتلهفة  لإعادة مجدها عبر القذائف الإسرائيلية، كانت واضحة في أدائها الإعلامي الذي يبرر المجازر الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى للقصف، وبدأوا يعلنون فرحتهم أمام الناس وعبر النقاشات الثنائية، وكانت ولا زالت من أبرز مقولاتهم :-

( الله لا يردهم)، ( شايفين التنسيق الامني بدو يرجعنا على غزة)، (إسرائيل نازلة سخّ في حماس في غزة؛ خليهم يذبحوهم )، والكثير من الأقوال التي أربأ عن نقلها.

بعد هذا الموقف فوجىْ هؤلاء بالموقف الشعبي الفلسطيني والعربي، وانتفاضته المباشرة وبكثافة، واكتشفوا أن كل ما تم من محاولات لغسيل دماغ الفلسطينيين وشيطنة حماس أمامهم فشلت في أول امتحان، فقد اكتشف الشعب الفلسطيني في أول موجة قصف، وأول موجة شهداء من القادة والجنود، ورد إسماعيل هنية الذي سلقه المنافقون بألسنتهم بأنه عبد للكرسي، وأن حماس تريد الكراسي، قالها هنية بكل ثقة :-

( لو أبدنا جميعاً لن نعترف بإسرائيل)، ( لو أبدنا جميعاً لن نتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني)، (لو أبدنا جميعاً لن نستسلم).

وقف إسماعيل هنية وغيره من قادة المقاومة، وعلى رأسهم القائد البطل الفذ أمين عام حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين، الذي وقف موقفاً تاريخياً سيسجل له في كتب التاريخ بأحرف من ذهب، فقد أعلن وقوفه إلى جانب حماس في موقفها الثابت، وأعلن بشكل صريح للذين يسعون للعودة إلى قطاع غزة على ظهر الدبابة الإسرائيلية:-

( سنتعامل معكم كما نتعامل مع الدبابة الإسرائيلية).

في هذا الوقت يبرز واضحاً أيضاً حرص أطراف الرذيلة والعمالة العربية وعلى رأسها النظام المصري، لترويج وإعادة الطرف الفلسطيني الخاضع للإرادة الصهيونية بشكل مطلق والذي قبل الاستسلام مقابل رغيف الخبز، يريد النظام المصري والإسرائيلي (آفي ديختر) إعادة من يعتبرونه الطرف الشرعي إلى غزة على ظهر الدبابة الإسرائيلية، ليجلس على كرسي حكم غزة فوق أشلاء ودماء وجماجم الشهداء والدمار والقصف، يريدون إعادته عبر دفن غزة في توابيت ومقابر الشرف، ليعود من امتهنوا الرذيلة والعمالة ليتحكموا في رقاب الناس.

الظاهر للعيان أن هذا الطرف شريك أساس فيما يتم من مجازر وعدوان على غزة، تدفعه الرغبة الجامحة في العودة إلى غزة ولو عبر توابيت الشهداء، فالخطاب الإعلامي لهذا الطرف تميز منذ بدء العدوان بالهجوم الشامل والجلي على حركة حماس وتحميلها المسؤولية عما يجري. 

انقسم الملتحقون بالركب الأمريكي الى قسمين:  قسم استمر في مهاجمته لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وعمل على اختلاق الأكاذيب وبث الشائعات والادعاء بأن اللصوص وتجار المخدرات والعملاء الذين كانوا في سجن السرايا الذي لم يقصف هم منهم، وأن إقدام عائلة القائد أبو يوسف القوقا على خطف أحد هؤلاء العملاء واعدامه بعد هرب المعتقلين من السجن بعد قصف البناية المجاورة له، ادعت أن حماس تقتل عناصرها الفارين من الموت، مع أن الناطق نفسه أعلن قبل يوم أن سجناء حركته في سجن المشتل وليسوا في سجن السرايا؟! وبهذا يريد هؤلاء البحث عن أي كذبة حتى يبقوا المزاج العام لأبناء حركتهم معادياً للمقاومة والمقاومين، ومتحالفاً مع العدوان ومتحالفاً معهم.

أما الجزء الثاني، فسعى إلى التماهي مع المزاج العام وإطلاق تصريحات للاستهلاك الشعبي، فأحمد قريع يعلن مثلاً أن المفاوضات علقت مع الاحتلال، مستخفاً بعقول الناس، فأحمد قريع أُقصي عن هذا الملف منذ مدة طويلة، وهو في قطيعة مع الذين يفاوضون الاحتلال، فهو بذلك يتحدث عن نفسه بأنه علق محادثاته مع الاحتلال كشخص وهو صادق، أما المعنيون بالموضوع فلم يعلنوا أي شيء.

أما على الأرض، فممارسات أجهزة فتح الأمنية واضحة للناس في ضيقها حتى من رفع راية خضراء في مسيرة، واعتقالهم لحامليها وضربهم أمام الناس، فضلاً عن المجهول الذي جرى لهم خلف اللأبواب المغلقة، والناس والكاميرات لاحظت وصورت ما الذي فعلته تلك الأجهزة بالمظاهرات في بالوع البيرة ومدينة الخليل وغيرها.

لو أراد هذا الطرف حقيقة الوحدة والتلاحم الفلسطيني فعليه أن يعلن انسلاخه عن حكومة الشقاق الفلسطيني في رام الله، وعليه التبرؤ منها ومن أفعالها ويسقطها، ويعلن توحده مع الحالة الشعبية العامة، والإعلان الصريح عن الوحدة والشراكة الداخلية، وليس الاحتماء بتصريحات ومواقف مغطية للعدوان على غزة من قبل النظام الذي يدير المعركة عليها، والتماهي مع سياسة هذا النظام التي تعمل على إبادة غزة عن بكرة أبيها، قتلاً وجوعاً ومرضاً تحت عنوان: ( لا يوجد طرف شرعي ننسق معه في غزة).

إذا كان هذا الطرف يعتقد أنه سيعود إلى غزة عبر التوابيت وعلى ظهر الدبابات الإسرائيلية، ويجلس على كرسي الحكم في غزة، على أشلاء الضحايا ودمار البيوت فهو واهم، والذي يلحظ آلية القصف والجرائم الصهيونية في غزة يستنتج بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الكيان الفاشي النازي يمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية وتدمير كل شيء في غزة، تحت عنوان إعادة الشرعية الى غزة، وإنهاء الانقلاب الديمقراطي الانتخابي في غزة وتثبيت الانقلاب الأمريكي عبر توابيت الشهداء وعلى ظهر الدبابات الاسرائيلية.