التحدي النووي الإيراني من بوشهر إلى دير الزور

التحدي النووي الإيراني

من بوشهر إلى دير الزور

جان عبد الله

لقد كان للخيار النووي الإيراني ميزات سياسية واقتصادية وجغرافية من أجل تعزيز موقعها في الخليج وسيطرتها على أهم الاحتياطات النفطية في العالم.  لذلك فإنها سعت إلى أن تضيف إلى قوتها الكبيرة خياراً نووياً حقيقياً بفضل عائدات النفط وميكيافيلية روسيا وكوريا الشمالية التي لا كابح لها.  ولقد نجح الإيرانييون في التستر على خيارهم الذري في مرحلة هامة من حرب الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان متناسين أن بيع السلاح في العالم اليوم وخاصة الحلقات المتطورة منه لايخضع لاعتبارات تجارية أو عمولات مادية، ولكنه غالباً مايوضع في إطار التقدير السياسي والاستراتيجي في دول المنشأ.  لذلك نجد أن جهود العراق النووية سابقاً أثارت قلقاً شديداً في إسرائيل والعالم الغربي حينما حاول بناء فرنين ( إيزيس) و (أوزريس) حتى أن أحدهما انفجر انفجاراً غامضاً قبل أن يصل إلى العراق.  يومها بدا العراق للعالم قوة تنمو وتكبر في الشرق الأوسط في الحقلين المدني والعسكري وكأنه ( بابل عربية حديثة) خاصة بعد أن أرسلت له فرنسا 13 كغ من اليورانيوم المشع من أصل 72 كغ كانت قد وعدت العراق بها، ثم عملت على دمج المفاعلين ببعضهما قبل أن يرحل خبراؤها وتقع الغارة المدمرة على فرن إيزيس والمبنى المخصص لاستيعاب وايراك. ولايخفى على أي مراقب حصيف أن استهداف العراق تمّ لأسباب تتعلق بموقعه الجغرافي ولأسباب أخرى سياسية واقتصادية وتاريخية وبسبب دوره الذي أدّاه عبر التاريخ في الدفاع عن كرامة الأمة العربية وسيادتها ولقدرته على النهضة والتقدم عندما توفرت له المستلزمات المطلوبة كأموال النفط.

اشتدت حملات الضغط على العراق في الشهور الأولى لعودة الإمام الخميني في شباط 1979 إلى طهران بحماية أجهزة الأمن الفرنسية وبدأ معها تدهور العلاقات بين بغداد وطهران واتخذت الروح العدائية تجاه العراق شكلاً رسمياً بعدما كان طابعها الإشاعات والمظاهرات إلى أن هددت عناصر الحرس الثوري السفير العراقي ومزقت علم السفارة واعتدت على القنصلية العراقية في المحمرة وأغلقت المدارس العراقية، ثم تلا ذلك تصريحات أبوالحسن بني صدر في مقابلة له مع جريدة النهار اللبنانية في 23 كانون الأول 1979 قال فيه أن القومية العربية تتسم بخصائص الصهيونية وليس بالطابع الإسلامي وتصريحاً آخر لوزير الخارجية صادق قطب زادة في أيار 1980 قال فيه أيضاً أن عدن وبغداد يتبعا بلاد فارس وأن الخليج تاريخياً أرض فارسية متحدياً بذلك المشاعر العربية ثم خطاب الخميني الذي أعلن فيه تصدير ثورته إلى الأجزاء الأخرى من العالم ثم ألقيت قنبلة في جامعة المستنصرية في بغداد أول نيسان 1980.

إن النظام الإيراني الحالي ومنذ استلامه السلطة في 1979 لم يشكل في يوم من الأيام تهديداً أو خطراً حقيقياً على إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة رغم نعته لأمريكا بالشيطان الأكبر ونعت أمريكا له بأحد محاور الشر، وإن مايميز هذا النظام هو ذكاؤه ودهاؤه في استغلال الظروف الإقليمية والدولية لتوسيع دائرة نفوذه  وسيطرته لاستعادة أمجاد الماضي مبتدئاً بالعراق.  فلو كانت هذه الثورة ضد الامبريالية فإن أقرب الناس إليها جغرافياً وفي هذا الموقف المستقل هو العراق.  ولوكانت ثورة من أجل فلسطين كما قيل في كثير من التصريحات فإن أكثر قطر يحتاجه النضال الفلسطيني في ذلك الوقت هو العراق.  ولو كانت هذه الثورة حليفة للعرب فأول من يجب التحالف معهم هم عرب العراق لأنهم الجيران والأقربون إلا أنه على العكس استغل ظروف الحرب الأهلية في لبنان ليوجد له موطئ قدم في تلك المنطقة الملتهبة المحاذية لإسرائيل ثم استغل بذكاء ظروف الصراع الداخلي بين الفصائل الفلسطينية ليمدّ أذرعه باسم الإسلام ويمسك بورقة حماس ليضغط بها على الآخرين، ثم شكّل ميليشيات مسلحة عراقية ليفرض بها سيطرته على العراق.  بهذا المنظار بدأ المحللون يكتشفون فارسية  الثورة الإيرانية ومطامعها ضد العرب ونكئها لجراح ملف أحقاد قديم ظنّ العالم أنه كان قد طوي.

أما عن الخيار النووي السوري فيصعب اليوم فهمه خارج البرنامج النووي الإيراني ولابد من ذكر بعض البدهيات والحقائق التالية:

1. إن سوريا وإسرائيل لايمكنهما استخدام أي سلاح ذري في المدى الجغرافي لهما لأن الخطر الذي سيلحق بسكان تل أبيب سيصيب بنفس الخطورة سكان دمشق وبيروت وعمان وفلسطين.

2. إن القدرات المادية للاقتصاد السوري لاتسمح في الوقت الراهن بتمويل برنامج مكلف كهذا إذ يحتاج ذلك إلى آلاف من ملايين الدولارات.

3. ليس في طموحات حكام دمشق اليوم ولا كان بالأمس ولاحتى برامج الأحزاب السياسية السورية مخططات للتويسع وفرض النفوذ في المنطقة وجلّ مافي اهتمام النظام القائم فيها هو استتباع لبنان أو فلسطين أما الأردن فإنه على مايبدو خطاً أحمر، ولقد جرب حظه سابقاً مرتين وفشل إحداهما يوم أرسل دباباته إلى حدود الأردن للتدخل في الصراع الذي كان قائماً بين الفصائل الفلسطينية والحكومة الأردنية والثانية محاولة اغتيال رئيس وزرائه مضر بدران.

4. إن النظام السوري ومنذ حرب 1973 التزم باتفاقيات الهدنه مع إسرائيل ولم يطلق طلقةً واحدة على جبهته معها، ولم يترك وسيلة للتقارب معها والتصالح إلا واستخدمها وهو يفاوضها في الوقت الراهن عن طريق الوسيط التركي ليعقد معاهدة سلام بعد استعادة الجولان.

لهذه الأسباب فإن المواقع الثلاث المبنية على طراز المفاعلات الكورية والتي أشار إليها خبراء وكالة الطاقة الذرية تمت بتمويل إيراني وهي جزء من برنامجها لفرض السيطرة الفارسية على المنطقة العربية فقط..

إنه صراع قديم حديث بين قوميتين اتخذ أبعاداً جغرافية واقتصادية.  ولفهم الحقوق التاريخية العراقية لابد من الكلام عن عربستان وشط العرب ومضيق هرمز. فأهمية شط العرب تأتي من كونه وسيلة للمواصلات تمكن من يسيطر على ضفته الشرقية من عزل العراق لأنه المنفذ الوحيد الذي يسمح للسفن الكبرى بالعبور إلى الموانئ العراقية وخاصة البصرة.  أما مضيق هرمز فهو حلقة الاتصال الوحيدة بين مياه الخليج والمحيط الهندي وهو الشريان الرئيسي الذي يغذي العالم الصناعي بأسره. ورغم أن عرضه لايتجاوز 60 كم  إلا أن ناقلة نفط واحدة تمر كل عشرة دقائق فيه مما يعني أن 62%  من إمدادات العالم النفطية تمر منه وهو المنفذ الطبيعي أمام دول الخليج كالعراق والسعودية والكويت والبحرين وقطر والأمارات العربية المتحدة وعمان.  لهذا نرى أن أساطيل حربية من الولايات المتحدة وروسيا ترابط قرب هذا المضيق وداخل مياه الخليج متذرعة بالتهديدات الإيرانية حتى أن منظمة من ست دول كبرى تشكلت للحفاظ على سلامته لأن إغلاقه قد يجرّ العالم إلى حرب شاملة.  ويأتي بنفس الأهمية موقع الجزر العربية الثلاثة التي احتلتها إيران عام 1971 واستراتيجياً لاتقلعن أهمية طنجة ومضيق جبل طارق في مدخل البحر المتوسط الغربي أو عند عدن في  المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومن يسيطر عليهم يستطيع مراقبة  سواحل الخليج العربي والتحكم في المجالات العسكرية والتجارية للدول المجاورة.

لهذه الأسباب نستطيع القول أن البرنامج النووي الإيراني الممتد حتى سوريا يشكل خطراً لتتحول إلى قوة إقليمية تفرض سيطرتها على هذه المنطقة العربية.