البوصلة الخاطئة وفاقد الشيء لا يُعطيه ووفاة كورية

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

عن عُمر ناهز الثمانين عاماً توفي جبران كورية الناطق الرسمي باسم  قصر الرئاسة السورية والمؤسس لثقافة التدليس والصحف الصفراء والاتجاه الأوحد والحزب القائد ، والرئيس الخالد ، وهو أيضاً من المؤسسين لصحيفة تشرين المشئومة التي لا تُستخدم إلا للف السندويشات أو القعود عليها وقت الضرورة ، أو لاستخدامات أُخرى ليس من اللائق الحديث عنها في هذه المقالة ، وكان كورية قد قيل عنه للرفع من شأنه  بأنّه الكتب والمُفكر كاتم سر الأسرار للأسدين الأب والابن  ،بينما دوره لم يكن في يوم من الأيام إلا كساحر فرعون الذي لا يُجيد مهنة السحر وإخفاء الحقائق على النّاس وإظهار الشخبطات ، وإنما دوره لم يتجاوز التعمية بدل الإكحال ، ولم يكن شأنه وأمثاله إلا كمسوقين لبضاعة فاسدة يعرفون فسادها رغم عقم تفكيرهم ، لا بل حتّى المواطن الذي لا يُجيد الكثير في السياسة ، لكنه يُدرك عُقم بضاعتهم  وأفكارهم  وسماجتها ، ومع ذلك تُفرض مفاهيمهم غصباً عليه لإقناعه بها تحت الإرهاب الذي يُمارسه نظام القمع بمؤسسات الدولة التي استولى عليها ، مع ما يلزمها من أدوات الإرهاب من المدفع إلى البارودة والاعتقالات والمُحاكمات التعسفية والأحكام الجائرة...الخ لإقناعه بها رغماً عنه

مات كورية بمرض عُضال لم يُفصح عنه وهو مما لا شكّ فيه ، لربما يكون سرطان في الحنجرة أو الفم الذي كان ينطق به ، أو شلل باليد التي كان يكتب بها التقارير والتصريحات المُكررة والممجوجة التي لا تُقنع أحدا ،ليموت غمّاً للعجز الذي أصابه في الفترة الأخيرة عن الكلام والتصريحات ومواكبة المؤتمرات التي عُقدت أخيراً بدمشق ، والتي خرج منها المُجتمعون " وكأنك يابو زيد ما غزيت "، لأنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، وخرجوا كالعادة  بنتائج هزيلة لا تتعدى المداد الذي كُتبت به ، من الإدانات والشجب والاستنكار وشعارات الرفض والممانعة ، ومُطالبة العدو الإسرائيلي من دمشق لمنع الاضطهاد والظلم وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم ، وفي نفس الوقت شعبنا السوري بأثره واقع تحت سلطة الظلم والاضطهاد والنفي لمئات الآلاف من السوريين ومنذ عقود ، ولا يستطيعون العودة إلى الديار والوطن والأهل والأحباب وأنا منهم ، وكما يقولون " فاقد الشيء لا يُعطيه " فكيف لهذا النظام أن ينهى عن خُلق وهو يأتيه ، وهنا كان الأولى على المؤتمرين أن يحلّوا مشكلة أبناء الوطن الذي عقدوا اجتماعهم عليه ، وأولى بأن ينال برعايتهم وعنايتهم ومُتابعة أُمورهم ، وخاصةً بعدما صارت بلدنا سورية يُضرب بها المثل في الأرقام القياسية بكل معايير الظلم والإجحاف ، كأكبر عدد للسُجناء المختفين منذ عقود ، وأقدم سجين في العالم كفارس مراد الذي أُطلق سراحه قريباً بعد قضائه ل 29 عاماً خلف القضبان وأقبية التعذيب ،ولم تلن عزيمته أو تخور إرادته ، بل قال قولته المشهورة "بأنه لا يشعر بشيء من الخسارة – رغم أنه أمضى أكثر من نصف عمره في السجن – وقال إذا ما قارنت ما قدمته وغيري من معتقلي الرأي بما قدمه غيرنا (دماءهم وأرواحهم) وما قدمه الوطن لنا فإننا نكون مقصرين. وما جرى كجزء من ضريبة على احدنا دفعها لهذا الوطن "

 وقبله كان المُهندس الشهيد عبد الستّار القطّان الذي أُخرج من المُعتقل بعد عشرات السنين ، وبعدما ساءت حالته الصحية ومنعه من السفر للعلاج  ليموت بعد أسابيع ، بفعل العديد من الأمراض التي ركبته داخل سجنه وزنزانته التي لا ترى النور وعُفونتها  كالفشل الكلوي والالتهاب الرئوي وغيره ، ومثلهما رياض الترك الذي عُرف بالمُناضل المندّلي ، والآلاف أمثالهم ممن قضوا نحبهم أو من الذين لازالوا قابعين في زنازين الظلام تحت الأرض وفي عتمة الظلام ولا أحد يعرف عنهم شيء سوى الله أو سجّانيهم ، وكذلك  مُعتقلي إعلان دمشق بشمعتهم فداء الحوراني وغيرهم من المُناضلين الأحرار ، أو مُعتقلي الكرد الأبطال الذين مازالوا يُقدمون التضحيات تلوى التضحيات ، ويواجهون المخاطر ولا يُبالون ، أو مُعتقلي الدول العربية لا سيّما اللبنانيين منهم وأعدادهم بالمئات ،  أو الأردنيين الذي جاء رئيس وزرائهم لمناقشة مصير مفقوديهم ومُعتقليهم  في السجون السورية وأعدادهم بالمئات ولاسيما الثلاثة الأخيرين الذين اُختطفوا واختفوا في سوريا منذ الشهر الماضي ، ثُمّ أُخرجوا بضغط حكومتهم ومُمثليهم عند تهديدهم برفع قضيتهم ضد النظام السوري قي المحاكم الجنائية في بلجيكا، هذا عدا عن العشرين الذين اختفوا في السنة الماضية، أوالعراقيين وغيرهم الكثير من العرب ممن جاءوا إلى بلادنا ومُحيت أثارهم ، لتصبح بلدي  سورية مغارة الخوف والموت والاختفاء ، ليس لأبنائها فحسب بل حتّى للوافدين إليها ، هذا عدا عن اتهام بلدنا من قِبل الوفد الأمريكي الذي حضر  الاجتماع الأمني لدول جوار العراق في دمشق بإيواء الإرهابيين ، وبأنّ بلدنا صارت "ملاذاً  آمناً للمقاتلين الإرهابيين  المتسللين إلى العراق

 وعودة الى مؤتمر العودة الذي عُقد أيضاً في دمشق والى الحاضرين الذين أبدأهم بالشيخ رمضان البوطي الذي بالغ في الهجوم على مؤتمر الأديان لأسباب سياسية لا تُخفى على أحد ، مُنتقداً ما تكلم به بيريز بالقول ، بينما النظام المتسلط في بلدنا يُمارس على أبناء شعبنا كُل صنوف القهر والتعسف والإبعاد للسوريين المُخالفين له بالرأي ، ولأقول لشيخنا والمؤتمرين : بأنه بالفعل هناك  حق مقدّس ومشروع لعودة للفلسطينيين إلى أرضهم  التي اغتصبها الكيان الصهيوني ، وكذلك لنا كسوريين منفيين منذ عقود حق العودة ، وهو حقٌ مُقدّس وواجب ولا يختلف عليه اثنان ، وهو أسهل تحقيقه وبمتناول اليد ، وعلى الشيخ البوطي والمُجتمعين من خمسين دولة أن يُدركوا ذلك ، ليُطلبوا من النظام على أقل تقدير بإنهاء الملفات الإنسانية الأسوأ في العالم أولاً ، ليكون لحضورهم فاعلية ،  بدلاً من حضورهم الغير ذي جدوى إن لم تُحل تلك العقبات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى التلاحم  وإجبار العدو في النهاية للقبول بما نُمليه من واقع القوّة ، بدلاً من النفخ في القربة المخرومة ، وأهل الديار هم أولى بالنصيحة عن العدو الذي لا يفهم إلا لغة القوّة والإجبار.

 وأخيراً : بدلاً من تنقل هؤلاء المؤتمرون من دولة إلى دولة كل عام ، وهم لا يفعلون شيء ذا بال ولا يُحركون ساكناً ، عليهم أن يسعوا أولاً الى حل المشاكل الأبسط وهي المحلية والبينية ، ومن بعدها  ليتوجهوا إلى ذاك الغاصب ، وبيد واحدة وقلب واحد وصوت واحد ، تسندهم حينها إرادة الأُمّة بأجمعها عندما يُثبتوا مصداقيتهم بحل الأمور المقدور عليها ، تمهيداً للتغلّب على الأمور الأصعب التي هي بيد العدو الإسرائيلي لا بالمُناشدة والتمني بل بالإرادة المدعومة من الشعوب، وحينها يُصفق لهم الناس ولا تنظر إليهم  كماسحي الجوخ ، أو كمُنتفعين من المصائب وأهات النّاس يتقلبون في البلدان على حسابهم ومُعاناتهم ، وكما قال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل مُستدلاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُكمله " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مؤمناً ستره الله يوم القيامة" وبالتالي لن تُحلّ المشاكل إلاّ إذا حُلّت مشكلة المظلومين في عالمنا العربي أينما كانوا، والتي أسوأها مظلومية قضية السوريين الذين لم يُلقى لهم بالاً من المجتمعين في الأرض الأكثر اضطهادا ،  وهم يُلقون فيها بخطبهم الرنانة على جثثهم وآلامهم ويتبارون على العدو بمُتطلباتهم التي لا تُغادر أبعد من حناجرهم ومكانهم ، لأنه لا يسمعهم أبداً ولا يُلقي لهم بالاً ، ولم يدخل كُلّ هذا الجمع في حسابهم ، لأنّه يعرفهم غير جادين ، ولو كانوا جادّين لعملوا على حل القضايا المحلية أولاً ، وسماع مشاكل أهل الديار والعمل على حلّها ، الذين هم أولى بالمعروف لقيام حُكّامها بتسوية أمورهم ، إن كان لهؤلاء المُجتمعين من قيمة لدى هذا النظام .