الولايات المتحدة والصداقات المفخخة

د. ياسر سعد

[email protected]

سقط أمس تسع جنود أفغان قتلى نيران "صديقة" شرقي أفغانستان، وقال بيان صادر عن الجيش الأمريكي هناك أن "التقارير الأولية المستقاة من الجنود في ميدان المعركة تفيد بأن الحادثة قد تكون ناتجة عن خطأ في تحديد الهوية من الجانبين". أخطاء قوات التحالف في أفغانستان من الأمور الشائعة والمتكررة والتي تقوض مصداقية تلك القوات وتحرج الحكومة الأفغانية كثيرا وتزيد من شعبية المقاومين الأفغان.

ومنذ نحو أسبوعين اعترف تقرير صدر عن البنتاغون بأن الطائرات الأمريكية قتلت في هيرات 30 مدنياً على الأقل قبل أكثر من شهرين، بعد أن كان الجيش الأمريكي يصر على نفي الأمر. وعلى خلفية تلك الغارة، أقال الرئيس الأفغاني اثنين من قادة الجيش، وطلب مجلس الوزراء الأفغاني من وزيري الدفاع والخارجية البدء بالتفاوض مع القوات الدولية، حول اتفاقية "لوضع القوات". وفي الأسبوع الماضي أطلق شرطي أفغاني النار على دورية أمريكية مما أدى لمقتل جندي أمريكي. العلاقة ما بين قوات الاحتلال والقوات الأفغانية تتسم بالشك والريبة، وما يظهر أنه صداقة أو تحالف بينهما قد ينقلب فجأة إلى صدام وصراع.

أما في العراق الجديد والذي صار "صديقا عربيا جيدا" للولايات المتحدة بحسب كونداليزا رايس والتي كانت تعدد إنجازات بوش في الشرق الأوسط، فإن تلك الصداقة قد تكون لغما في وجه الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة. فالتكتيكات التي يتبعها الشيعة في العراق بشأن الاتفاقية الأمنية وفي هذا الوقت الحرج جدا للإدارة الأمريكية، يعيد الجدل حول من الذي استخدم من في العراق؟ هل استخدمت أمريكا تيارات شيعية لتحقيق مصالحها أم أنهم استخدموها لصالح إيران وأهدافها وطموحاتها؟

فبعد أن تم الإعلان عن قرب إتمام الاتفاقية، تحركت المظاهرات والتي نظمها تيار الصدر والمقيم في قم، وتوالت الفتاوى والمواقف الوطنية المفاجئة والتي ترفضها، ونقل البرلماني همام حمودي من الائتلاف الشيعي عن نوري المالكي قوله إن ما أعطوه الأميركيون باليد اليمنى أخذوه باليسرى.  ومن طهران قال رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري إن العراقيين يرفضون الاتفاقية الأمنية المطروحة بصيغتها الحالية. وقال الجعفري، خلال اجتماعه مع الرئيس الإيراني، إن الاحتجاجات التي شهدها العراق في الأيام الأخيرة "بينت رفض العراقيين الصريح لها".        

المواقف العراقية أربكت وفاجأت الأمريكيين, مما دفعهم لإطلاق التحذيرات والتهديدات المبطنة. فرئيس أركان القوات الأمريكية مايكل مولن حذر من أن أمن العراق "سيواجه عواقب وخيمة", في حال عدم توقيع الاتفاقية الأمنية، وأنه مع نهاية هذا العام لن تكون القوات العراقية قد أتمت استعدادها وقدرتها على تولي مهام الأمن. واتهم مولن طهران بالتدخل في الشأن العراقي، وأنها تعمل بقوة وجدية لوقف تمرير الاتفاقية. كما حذر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس من عواقب وخيمة في حال عدم التوصل إلى اتفاق سريع.

الاحتلال فعل غير مشروع ومناف للأخلاق الإنسانية وللمبادئ الدولية، وعلاقاته وصداقاته في البلاد المحتلة تؤسس على مصالح مادية أنانية ضيقة أو بناء على تكتيكات مرحلية، وبالتالي فإنها سريعة التفكك والتقلب.