الأزمة المالية والفوضى العالمية

د. ياسر سعد

[email protected]

دعا بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات حازمة لحماية الدول الفقيرة من الأزمة المالية العالمية، قائلا إن البنوك المركزية وصندوق النقد الدولي قد يتعين عليهم فتح صناديق ضخمة مخصصة لمنح القروض في الدول النامية ومواجهة الطوارئ، محذرا بأن الدول الفقيرة قد تتعرض لضربة قد لا تحتملها. وقال مون: "أحرزنا تقدما في محاربة الفقر والأمراض ومكافحة التغير المناخي ودعم التنمية وضمان التغذية لمن يحتاجها، لكن الأزمة الائتمانية التي باغتت الأسواق في شتى أنحاء العالم جعلت أزمة الغذاء وأزمة الطاقة وأزمة التنمية بإفريقيا تتفاقم".

وكان تقرير أصدرته لجنة من كبار الضباط المتقاعدين في الجيش الأمريكي ربيع العام الماضي قد حذر من أن التغييرات المناخية ستشكل خطراً محدقاً بوجه الاستقرار في أنحاء كثيرة من العالم.  ودعت اللجنة التي شكلت خصيصاً لبحث الأبعاد الأمنية لهذه الظاهرة المناخية إلى المعالجة السريعة للأزمة، مخافة أن يؤدي تجاهلها إلى مفاقمة الوضع, مشددة على التنبيه من دور تلك التغييرات في خلق بؤر مناسبة لنمو التنظيمات المتشددة على غرار "القاعدة" وجماعات أخرى. واعتبرت اللجنة أن مشاكل الجفاف وانتشار الأوبئة ودمار المحاصيل الزراعية وأثر ارتفاع مستوى البحر سيهدد بتقويض الحكومات الهشة في كثير من الدول النامية.

تحذير التقرير الأمريكي من أن الاستقرار العالمي مهدد جراء التغييرات المناخية والتي ضربت الأرض جراء السياسات غير المبالية لدول صناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة ينطبق تماما على تبعات الأزمة المالية العاصفة والتي حذر من تبعاتها الخطرة كثيرون. وإذا كانت المسؤولية الأمريكية في مسألة الاحتباس الحراري ليست واضحة تماما للبعض، فإن الدور الأمريكي في الأزمة المالية والتسبب بها جلي وواضح.

انتشار الفوضى الناشئة عن الظروف المعيشية الصعبة والتي قد تؤدي إلى انهيار حكومات وأنظمة قد ينتج عنها بروز قوى وجماعات وعصابات منظمة، تأخذ القانون أو ما تراه قانونا بيديها. وقد يتعمم النموذج الصومالي والذي شهد غياب الدولة، لينتشر العنف فيها والذي ما يلبث أن ينتقل للخارج إما على شكل قرصنة أو كبيئة حاضنة لتنظيمات وجماعات العنف. ولن يعدم الناقمون على السياسة الأمريكية الأعذار والدوافع وهم يحملونها ونهجها أسباب معاناتهم وما حل بالعالم من فوضى "خلاقة" ومظالم وضنك وبؤس.

العالم مثل النظام الفيزيائي، ينعم بالاستقرار في حالة تمتع بالتوازن بيئيا وماديا ومعنويا وأخلاقيا. وحين يضطرب هذا التوزان جراء سياسات جائرة أو هيمنة على مقدرات الغير وثرواتهم أو في نشر ثقافة الصدمة والترويع والإرهاب تحت ذرائع زائفة، فسيبقى في حالة من الاضطراب والتفاعلات المدمرة والتي قد لا ينجو من شرها وشرارها أحد.

الأزمة المالية العالمية كما الأزمات الغذائية والبيئية والإنسانية هي أزمات أخلاقية في المقام الأول والأخير. العالم بمجموعه يدفع اليوم ثمنا باهظا بقبوله لقيادة عالمية امتلكت أسباب القوة المادية وافتقرت للقيم والمبادئ الأخلاقية.