العراق والتحسن الموهوم
د. ياسر سعد
يبدو التحسن المزعوم في العراق أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة, فالألغام السياسية والعرقية والأمنية المزروعة في جنباته كثيرة ومتعددة. وجميع الحلول التي تتخذ بين الفرقاء المشاركين في الحكم تعمد لتجميد الخلافات والصراعات وترحيلها, لتعود لاحقا بعد أن تتضخم وتزداد الشقة بين أطرافها. ولعل شهادة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس والتي جاء فيها إن الطريق التي سلكتها الولايات المتحدة في العراق كانت "أقسى وأطول وأكثر صعوبة" مما تخيّلت، محذّرة من أنه على الرغم من المكاسب الأخيرة التي تحققت فإن النجاح في العراق ليس مضموناً بعد, تصب في هذا الاتجاه.
الاتفاقية الأمنية والتي كان من المقرر أن توقع في نهاية شهر يوليو الماضي ما زالت تتعثر بالرغم كل الجهود والضغوطات التي يمارسها الجانب الأمريكي لإتمامها. نائب وزارة الخارجية الأميركي جون نغروبونتي والذي وصل لبغداد للعمل من أجل الإسراع في إنجاز الاتفاقية تم استقباله بانفجارين بالقرب من وزارة الخارجية العراقية قبل أن يعقد مؤتمرا صحفيا مع هوشيار زيباري. وعلى الرغم من أن مصادر عراقية أفادت بأن الانفجارين سببتهما قذيفتي هاون, فإن مصادر أمنية عزتهما لعبوتين لاصقتين, وضعت إحداهما تحت عربة للجيش ضمن نقطة حراسة مقابل وزارة الخارجية في منطقة الصالحية، في حين وضعت الأخرى تحت سيارة مدنية تعود لأحد موظفي الوزارة. العبوات الناسفة تشيران إما إلى اختراق أمني من قبل المقاومين أو لمحاولة تصفية الحسابات ضمن التشكيلة الحكومية غير المتجانسة, والاحتمالان يظهران هشاشة الأوضاع الأمنية وقابليتها للتفجر.
الجبهة العراقية الشمالية مرشحة هي الأخرى للتصعيد بعد العملية التي شنها حزب العمال الكردستاني على الجيش التركي وأصابت تركيا الرسمية والشعبية بهزة عنيفة وبغضب شديد, خصوصا مع الاتهامات التركية لأكراد العراق بتقديم الدعم والإسناد لحزب العمال. رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان هدد بتوغل قوات بلاده في شمال العراق "إذا لزم الأمر". فيما يرجح أن يوافق البرلمان التركي اليوم على طلب الجيش تمديد التفويض الممنوح له, والذي ينتهي في السابع عشر من الشهر الجاري, لشن عمليات عسكرية ضد عناصر حزب العمال خارج البلاد.
ملف تفكيك الصحوات وتحويل عهدتها للحكومة العراقية بعد أن نجحت في مواجهة تنظيم القاعدة يعيد للذاكرة مسألة الجيش العراقي والذي حله السفير بول بريمر. فهناك عشرات الآلاف من المدربين والمسلحين السنة والذين وجدوا أنفسهم بعهدة حكومة تنظر إليهم بعيون الشك والريبة ولن تقبل بانضواء أكثر من خمسهم في أجهزتها الأمنية. مقاتلو الصحوة والذي يشعرون في مجملهم بالخديعة وقد استخدموا في مرحلة مواجهة القاعدة ربما يعيد الكثير منهم ترتيب أولوياته خصوصا مع شعور سنة العراق بالاستهداف وبالغبن.
الخلافات داخل الحكومة العراقية وخارجها بين التيارات الشيعية, وعقدة كركوك, والتفسيرات المتباينة للدستور وللعلاقة بين الحكومات الإقليمية و المركزية, أضف إلى ذلك ضعف الخدمات العامة والأحوال البائسة لعموم العراقيين وتفشي الأوبئة بالرغم من الإيرادات النفطية الكبيرة وانتشار الفساد, عوامل إضافية ضاغطة باتجاه تفجر الأمور في العراق الأمريكي.