في ذكرى اغتيال القائد أبو الوليد نقول لأبناء فتح
في ذكرى اغتيال القائد أبو الوليد نقول لأبناء فتح
نضال حمد*
[email protected]
في منتصف شهر أيلول سبتمبر 1982 امتدت يد الغدر لتختطف روح القائد الميداني العسكري
الكبير، سعد صايل أبو الوليد ، قائد معركة حصار بيروت الشهيرة، وقاهر الأعداء
والعملاء، رئيس غرفة عمليات القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية، وذلك اثناء
قيامه بجولة تفقدية لقواعد حركة فتح بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
سعد صايل كان أحد الذين لم يحبذوا فكرة الرحيل عن بيروت ويستعدون للمواجهة والقتال
حتى النصر أو الشهادة. وقد شهدت واقعة لأبي الوليد حصلت أمامي اثناء حصار بيروت ،
حيث خرج غاضباً جداً من اجتماع للقيادة الفلسطينية كان منعقداً في العاصمة
المحاصرة. خرج وهو ينزل جل غضبه ولعناته وشتائمه على أحد القادة الفلسطينيين ، لن
أذكر الاسم. وشاهدت بأم عيني كل من الشهيد أبو جهاد الوزير وفضل شرورو عضو المكتب
السياسي للجبهة الشعبية القيادة العامة، وهما يلحقان به بغية تهدئته واعادته الى
الاجتماع ، لكنه ركب سيارته تحت وابل من القذائف المتساقطة في المنطقة ، غادر
المكان غير آبه بما قالاه. كان الاجتماع المذكور يعقد في مقر للجبهة الشعبية
القيادة العامة قبيل أتخاذ قرار الرحيل عن بيروت بأيام قليلة. ومن المعروف أيضاً
أن سعد صايل كان يصر على محاسبة الضباط الذين تخاذلوا وهربوا من المعركة وخاصة في
الجنوب. مع العلم أن الأيام والاشهر والسنوات اللاحقة أثبتت ان معظمهم انسحب بناء
على تعليمات من أعلى. وبما ان صايل كان رئيسا لغرفة العمليات فأن التعليمات جاءت من
جهة أعلى منه مرتبة. ولهذا السبب حرص الحاج اسماعيل الذي كان قائد القوات المشتركة
في الجنوب ومسؤول فتح هناك على القول أنه تلقى كتاباً من مسؤوله الأول بالانسحاب.
وأكد هذا الكلام أحمد جبريل في برنامج شاهد على العصر على فضائية الجزيرة. لكن
لغاية الآن لم تعرف الحقيقة ولم يحاسب اي شخص من الذين كان يريد سعد صايل محاسبتهم
، بل بعد وفاته تمت ترقيتهم الى رتب أعلى ، حتى أن الحاج اسماعيل في زمن سلام أوسلو
وصل الى رتبة لواء، ولو سنحت له الفرصة قليلاً وعاش الذين رفعوه أكثر قليلاً لأصبح
برتبة فريق. الحاج اسماعيل لم يكن وحده
فهناك مجموعة من هؤلاء اعتمدت عليها القيادة المتنفذة فيما بعد لبناء مؤسسة الشرطة
والأمن في اراضي السلطة الفلسطينية. هذه السلطة التي أنعم الله على ابي الوليد بعدم
السماع بها أو رؤيتها لأنها كانت ستتسبب له بجلطة دماغية. فهو القائد الفدائي ،
الانسان الأخلاقي والمبدئي الذي قضى جل حياته يناضل من اجل تحرير فلسطين. فجأة ينام
ويصحى على اتفاق متمخض عن حوارات ومفاوضات سرية بين بعض اخوته في القيادة
الفلسطينية والقيادة الصهيونية. حوار من وراء ظهر الحركة والمنظمة والشعب والأمة.
حوار أوصلت نتائجه الشعب الفلسطيني الى الجحيم والقضية الفلسطينية الى الحضيض.
عرف الشهيد سعد صايل أبو الوليد بانضباطه العسكري وحسن سيرته وشجاعته واخلاقه
الحميدة. وكان له تاثير كبير على الفدائيين الذين احترموه وجلوه ورأوا فيه القائد
الحقيقي في زمن قادة المصادفة. كان صادقاً مع نفسه ومع الآخرين، شجاعاً لا يعرف
التراجع ومقداماً لأجل وطنه وأمته وقضيته. لم يكن عصبوياً ولا فئوياً ، كان فلسطيني
الهوى والانتماء والمصير. جرت واقعة اغتياله في سهل البقاع، عندما كان عائداً من
جولة تفقدية لقواعد مقاتلي حركة فتح. حيث كان هناك ثلاث قواعد أو معسكرات للحركة
في المنطقة وكذلك وجود للقوات السورية. استهدف سعد صايل في تلك المنطقةبين حاجزين
للجيش السوري وثلاث مواقع لحركة فتح. حيث فتحت نيران الرشاشات عليه مما أدى
لاستشهاده. إذن هناك جهة ما تقف وراء تصفيته.. من هي تلك الجهة؟ انها الجهة التي
أرادت اضعاف الساحة الفلسطينية تهيئة للعب ورقة جديدة من ألعاب لعبة سياسية قذرة
كانت تحاك بعد حصار بيروت. وجدير بالذكر أن الفترة الزمنية التي اغتيل فيها هذا
القائد الشجاع والكبير كانت فترة عصيبة على الفلسطينيين لأنها فترة ما بعد رحيل
القوات الفلسطينية عن بيروت وخسارتها لساحة لبنان ، إذ أن الوجود العسكري الفلسطيني
انحصر في سهل البقاع وطرابلس وبعض أجزاء جبل لبنان. في تلك الفترة بالذات كان الشعب
الفلسطيني مازال يعيش صدمة وهول مجزرة صبراوشاتيلا التي حدثت قبل عملية الاغتيال
بعشرة ايام فقط لا غير. وبعد ذلك بفترة زمنية محدودة حصل الانقسام الخطير في حركة
فتح والساحة الفلسطينية، وتبعه قتال وتحارب بين طرفي فتح، انتهى بحصار طرابلس
الوحشي الشهير سنة 1983، وسفك دماء فلسطيني لم تعرفه الساحة الفلسطينية من قبل. فقد
هانت على المتقاتلين حياتهم وحيوات شعبهم في البدواي والبارد، وكذلك في طرابلس
كلها. فكانت الأطراف المتقاتلة تستخدم جل حقدها المتبادل في القتال الوحشي. ودخلت
الأطراف العربية المنحازة لكل طرف بقوة على الخط لتصب الزيت على النار المشتعلة.
بعد انتهاء الحصار خرج رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة من هناك الى مصر كمب ديفيد
ليدخل العرب كلهم الى اسطبل داوود الكمب ديفدي. لتبدأ من هناك بعد تلك الزيارة رحلة
الألف ميل الى أوسلو. ولتعبد درب كمب ديفيد وأوسلو ثم تصبح أسهل بكثير بعد اغتيال
وفقدان وخسارة قادة فتح الاساسيين أبو جهاد الوزير، أبو اياد و أبو الهول. أختار
رئيس فتح والمنظمة قناة أوسلو السرية، لكن نتائج تلك العملية كانت كارثية إذ كادت
تقضي على انجازات الشعب الفلسطيني خلال عقود من النضال. واستطاعت بنفس الوقت أن
تقضي على الرئيس ياسر عرفات نفسه، إذ حوصر وتم عزله لأكثر من سنتين، ثم اغتيل
بالسم. وجاء من بعده السيد أبو مازن، الذي أجمعت فتح على انتخابه عملاً بالأغنية
الفتحاوية القائلة : أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها.. لكن المفاجأة جاءت من ابي مازن
نفسه، إذ أنه لم يكن يؤمن لا بفتح ولا بالمنظمة، بل فقط بالمجموعة الأوسلوية
المحيطة به. وهذا تأكد اثناء خلافه الحاد مع الرئيس الراحل ياسر عرفات. لكنه برز
بشكل قوي بعد ظهور خلافاته مع أمين سر حركة فتح ورئيس الدائرة السياسية في منظمة
التحرير الفلسطينية السيد فاروق القدومي، ابي اللطف. خلافات علانية ، قوية، حادة
وجادة.
إن أوضاع حركة فتح صعبة للغاية ولن ينفع أحد تعيين نائب رئيس من فتح للرئيس الحالي
للسلطة المهترئة. فالسلطة الى زوال، والفاسدين فيها أيضاً الى زوال. والمتنازلين
عن حقوق شعب فلسطين الى مزابل التاريخ. لذا نقول إن الذي ينفع هو أن تقول قيادات
الحركة بشكل علني وصريح كل ما يجب أن يقال عن أوضاع السلطة و فتح والمنظمة
وفلسطين. وان تستحضر شجاعة أبو جهاد الوزير وأبو الوليد وأبو اياد وتعمل بها كي
تعيد لفتح دورها الوطني السليم والصحيح. لا أن تبقيها تلعب دور الحركة المسيرة من
قبل جماعة لم تعد تؤمن بالنضال والكفاح، بل أنها تحرص دوماً على تأكيد ايمانها
بالمفاوضات طريقاً وحيداً للحل.؟ تلك المفاوضات التي دمرت القضية الفلسطينية ومهدت
الطريق لبناء الجدار والمستوطنات وتهويد القدس ومصادرة اراضي الضفة الغربية واعتقال
آلاف الفلسطينيين، و التخلي العلني عن حق العودة وانهاء وجود قوات عسكرية لتنظيم
فتح و شطب مؤسسات وقوات منظمة التحرير الفلسطينية. هذه المفاوضات المدمرة موجودة
وحية فقط في رؤوس الذين يتصرفون نيابة عن الشعب الفلسطيني وبدون استشارته.
في ذكرى رحيل الفارس سعد صايل ابو الوليد نقول لابناء فتح : عليكم واجب وطني كبير
وهو انقاذ الحركة والمنظمة والقضية من براثن بعض أبناء فتح من فريق الضعفاء
والمسلمين بواقع الحال. وعليكم واجب الوفاء لأبي الوليد و لكل شهداء فتح وفلسطين.
* نضال حمد – مدير موقع الصفصاف – رئيس الجالية الفلسطينية في النرويج.