خدمة العلم مابين الإلزام والتخفيض

والبدلات والقوانين القاروقشية والخيالية والإذلال

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

كانت اليمن يمنان بفعل الاستعمار ، شمالية تحت طغيان الإمامة المُتخلفة وجنوبية مُستعمرة من الاحتلال البريطاني ،وكانا يُناضلان من أجل التخلص مما هم عليه وحالة الفرقة التي باعدت بينهم ، واستطاع الشماليين عام 1962التخلّص من كابوسهم العفن ، وكذلك الجنوبيين الذين وقعوا فيما بعد تحت سلطة الرفاق الماركسيين الذين رفضوا إعادة وحدة البلد فيما بعد التخلّص من الاستعمار البريطاني ، بعد دعم الثورة الشمالية لهم ، فنشب من أجل ذلك الحروب الطاحنة فيما بينهم لهذا الغرض، ومن أجل ذلك كانت عندهم الخدمة الإلزامية ، وما إن وضعت الحرب أوزارها بعد وحدتها التي عُمّدت بالدم ، حتّى صار التفكير للتخلص من أعباء التجنيد الإلزامي ، وكانت الفكرة الأُولى لمن يُريد التسريح بدفع بدل قيمته 400 دولار ، إلاّ أنّ اليمنيين رفضوا ذلك ، مما دعى الحكومة إلى إلغائها والدعوة إلى الالتحاق الطوعي لمن يُريد مُقابل الأجر الطبيعي ، وليس رمي الفُتات ، ونحنُ في سورية ومنذ 1973 لم تُطلق من عندنا رصاصة باتجاه العدو الإسرائيلي ، وكذلك لم نحشد ولو مرّة واحدة على حدود العدو لتحرير الأرض المغتصبة ، بل كانت الحشود على الدوام باتجاه الدول العربية المُحيطة وأخرها التهديد للبنان والقتال إلى جانب الأمريكان وحلف النّاتو عدّة مرّات ، عدا عن مُشاركة جزء منه في تدمير لبنان والمُدن السورية وأهمّها مدينة حماة التي أُبيدت عن بكرة أبيها وقتلهم لعشرات الآلاف من الأبرياء ، وأخرها القامشلي ومناطق الأكراد ، حتّى صار التساؤل حول جدوى هذه الخدمة التي لم تُستخدم سوى لسحق المواطن السوري ونهبه وابتزازه وإذلاله وخدمة النظام وليس خدمة الوطن مما جعل معظم أبناء شعبنا يُريد الهروب منها.

وللمتأمل في هذه الخدمة التي قد تطول إلى الخمس سنوات دون قيد أو شرط ، تؤخذ من عُمر الشاب في أهم مراحل عطاءه ، ولا يُعطى فيها المُكلف ما يكفيه لمشاويره عند الإجازة ، نجد فيها الإجحاف الكبير بحق هذا المُكلّف الذي لا يجد نفسه إلاّ خادماً في مزرعة هذا الضابط أو ذاك ، أو قاتلاً مأجوراً لخدمة النظام ، أو صايعاً بواباً عند العمارات وأبنية المسئولين ، إلاّ ما ندر يقوم ببعض الأعمال النافعة ، بينما أرضنا المُحتلّة في الجولان ممنوعٌ الاقتراب منها ، أو أي عملٍ تطوعي ومُقاوم ، فهل مثل هكذا أعمال تستحق التضحية بعمر زهرة شباب أبناء سورية الحبيبة.

والقانون القارقوشي لهذا النظام الذي لا يوجد له مثيل في العالم في خدمة العلم ، بأنّه لكي تُعفى منها عليك أن تُغادر خارج البلد ماعدا الدول المجاورة خمس سنين متواصلة أيّاً كنت طبيباً أو مُفكراً أم عالماً أو عاملا ،  ثُمّ لتعود وتدفع بدل خمسة آلا لاف دولار أمريكي ، والذي لربما يفوق ما جنيته في الاغتراب طوال تلك السنين بدلاً من تأسيس عمل لك أو بناء بيت أو ما ينفعك ، ثُمّ صدور قرارات مما اعتبروها تخفيفية لمن وُلد في الخارج قبل الثانية عشرة من العمر إلى سن التكليف 3000 دولار ، ولمن ولد خارج البلد وبقي هناك لما يزيد عن ال 18 سنة يدفع 500 دولار ، والآن يُبشرنا القانون الجديد بتخفيض مدّة العسكرية ثلاثة شهور ليصير سنتين إلا تسعين يوماً بدلاً من تخفيف المدّة إلى ستّة أشهر وأقصاها إلى سنة أو إلغاءها ، وتخفيض البدلات لتكون رمزية لتشجيع الشباب للعودة إلى أحضان الوطن وإعادة بناءه ، وخاصة بعد مُفاوضات النظام مع إسرائيل والتوصل من خلال الاتفاقيات السرّية ، التي تمّ فيها التنازل عن مُعظم الأرض وبقعة المياه الأغنى في المنطقة – طبرية -وشعبنا الأحوج إليها ، وخاصةً وأنّ بلادنا تشهد جفافاً وشُحةً في المياه ونُدرةً فيها ، وكذلك بعد تنازل النظام عن لواء اسكندرونة دون استشارة الشعب دعماً لبقائه واستمراره.

ونحن في المُعارضة السورية لا يسعنا إلا أن نُدين أي تعسف بحق مواطنينا ، وأي قرارات مُجحفةٍ بحقّه ، ونأمل بعودة النظام إلى رشده ، فكفى شعبنا السوري إذلالاً واستباحةً له على مدار أربعة عقود ذاق من خلالها الويلات ، وآن له أن ينال حريته وكرامته وقراره ، وإنّها لقريبةٌ بإذن الله.