لطم اليساريين في عزاء الأوسلويين
أحمد الفلو /فلسطين
لعل ازدواجية الخطاب و الانتهازية السياسية , هي أهم ملامح التوجهات السياسية لدى اليساريين العرب عموماً و الفلسطينيين منهم على وجه الخصوص , و قد أدت تلك التناقضات العجيبة في سلوكيات و أقوال و أفعال القيادات السياسية و كوادر الجبهتين الشعبية والديمقراطية ومعهما حشد و فدا إلى حالة فريدة من الانفصام في الشخصية جعلت هذه القوى تفتقر إلى أدنى درجات الاتزان و فقدان الانسجام ما بين أفكارها و طروحاتها السياسية وما بين ممارساتها السياسية , حيث اعتاد هؤلاء اليساريون على اللحاق بالركب المتصهين و استرضاء معسكر أوسلو تارة بالدفاع عن حاكم رام الله و المطالبة بإبقاءه رئيساً للسلطة بعد انتهاء ولايته أو تبني فكرة إقامة انتخابات مبكرة للمجلس التشريعي تارة أخرى , ودائماً بإصدار البيانات التي تنال من حركة حماس و غض الطرف عن جرائم ميلشيات محمود عباس .
ومما يثير التساؤلات أكثر و أكثر هو ذلك الاصطفاف اليساري المحموم إلى جانب من ينفذون خطة الإمبريالي الأمريكي الجنرال دايتون بل والمشاركة الحقيقية في تنفيذ تلك الخطة عبر انخراط رجالات اليسار في مناصب هامة يشغلها هؤلاء سواء فيما تبقى مما يُسمى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أمثال ياسر عبد ربه و تيسير خالد , أو من خلال تعيينهم كمستشارين و أعوان و وزراء لمحمود عباس مثل ملوح في ظل سلطة التعاون الأمني والاستخباراتي مع العدو الإسرائيلي , حيث إن هؤلاء رفضوا أي مشاركة في حكومة تقودها حركة حماس إلاّ بعد إعلان حماس الموافقة على مجموعة من البنود السياسية كان على رأسها الاعتراف بدولة إسرائيل والإقرار بكافة الاتفاقيات المهينة للشعب الفلسطيني التي وقعت عليها قيادات أوسلو , إضافةً إلى المطالبة بعدد من المقاعد الوزارية تفوق تمثيلهم و قوتهم الشعبية المتلاشية بأضعاف مضاعفة منطلقين من أوهام خادعة بأن ريشهم المنتفخ أثقل من جبال حماس الراسخة , و في الوقت الذي يكرر فيه أهل اليسار شتم أوسلو عبر بيانات ممجوجة , فإنهم يقفون دائماً ضد المقاومة الإسلامية المجاهدة و التي تقود مسيرة التحرر الوطني الفلسطيني , وهذا الموقف المنافق لا يمكن قراءته وفهمه سوى أنه تلاعب مكشوف أمام الجماهير الفلسطينية وبالمقدار نفسه فإنه ينافي أبسط مباديء العمل الوطني.
أما الأساليب التي يتبعها اليساريون في التعامل مع الواقع السياسي الفلسطيني فهي تتراوح ما بين صناعة الكذب و ادعاء الفهم و التظاهر برجاحة العقل و استجهال الآخرين و مابين التطفل على الفتات التي يلقيها لهم قصر المقاطعة في رام الله , وكذلك تقديم المواقف السياسية الرخيصة و التباكي على الوحدة الوطنية و التربص للمقاومة في مقابل الحصول على منافع مالية من حصتهم من أموال الجنرال دايتون مما تكتنز به خزائن قصر المقاطعة , ومن الأمثلة الصارخة على إجادة هؤلاء فنون التلفيق و الدجل ما ادعاه نايف حواتمة القائد السابق للجبهة الديمقراطية من أن حماس التقت سرا في لندن بإسرائيليين ووقعت معهم وثيقة سرية عبر أحمد يوسف مستشار إسماعيل هنية ، وحدد المكان والأطراف بل وحتى ذكر أسماء وسطاء الاتفاق المزعوم( أليستر كروك و خليل الشقاقي و يائير هيرشفيلد ) و قد أطلق حواتمة كذبته هذه دون أدنى اعتبار لقيم احترام الذات في 27/12/2006 أي بعد حوالي عشرة أيام من محاولة اغتيال رئيس الوزراء الشرعي اسماعيل هنية عند دخوله معبر رفح على أيدي ميليشيات محمود عباس والمضحك في هذا الأمر هو استنكار القيادات الأوسلوية الفتحاوية وشجب القوى اليسارية لذلك الاتفاق المزعوم بين حماس و الصهاينة في الوقت الذي كان الرئيس و أعوانه يلهثون من أجل لقطة بالكاميرا مع أيٍ من مجرمي الحرب الصهاينة و كم تعتريهم الغبطة والسرور حين يحظى أحدهم بتبادل القبلات مع أحد الصهاينة بل إن حواتمة هو أول من طرح مشروع مسألة تعايش الفلسطينيين مع الصهاينة في دولة واحدة , وهو نفسه الذي استمات من أجل الحصول على موافقة الرئيس الإسرائيلي عيزر وايزمان لمصافحته في خيمة عزاء الملك الأردني الراحل الحسين , ويعود حواتمة في عام 2008 ليستعرض عبقريته من خلال تحليل سياسي مثير للسخرية يدعي فيه إن حركة حماس بانقلابها العسكري و حكمها لقطاع غزة إما تهدف لاستعادة الحكم المصري للقطاع , ولا نود الرد عليه و لكننا نكتفي بالإشادة بهكذا ألمعية و هكذا مفهومية يتمتع بها هذا القائد الفذ , وندعو له بالشفاء العاجل . لقد انحدر اليساريون بسلوكهم السياسي المتخاذل إلى أدنى درجات الوضاعة و أصبحوا أداةً طيِّعة بيد الأمريكان والصهاينة خاصةً بعد أن استغلَّ الأمريكان والصهاينة وجود قواسم مشتركة بينهم وبين اليسار الفلسطيني ربما يأتي الحقد على الإسلام على رأس هذه القواسم المشتركة وربما يأتي ثاني هذه المشتركات تأسيس الحركات اليسارية والشيوعية على أيدي المستوطنين اليهود , وبينما تشهد أيامنا هذه تنامياً متصاعداً للعمل الإسلامي الجهادي في فلسطين مدعوماً بقوة شعبية مؤمنة فإن القوى المتأمركة والمتصهينة من مجموعات الأوسلويين و حلفائهم اليساريين تسير بعكس التيار الإيماني الجماهيري و إن اليسار بهذا النهج يكتب قصة أفوله و تلاشيه إلى غير رجعة بإذن الله.