ليبيا وسورية والتقلبات الدبلوماسية
د. ياسر سعد
بين أستقبال سوريا للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كأول زعيم غربي يقوم بزيارة رسمية لها منذ ثلاث سنوات واستعداد ليبيا لزيارة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس كأول زيارة يقوم بها وزير خارجية امريكي لليبيا منذ أكثر من نصف قرن, ثمة قاسم مشترك, تغير كبير في التوجهات والاستراتيجيات والشعارات.
دمشق ترغب في إنهاء عزلتها الدبلوماسية وتصفية ملف المحكمة الدولية بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري, وهي في اندفاعها في هذا المسار تحرص على إبقاء علاقتها وتحالفها الوثيق مع طهران حتى تجني ثمار دبلوماسيتها الجديدة على الأقل. وحتى يسهل عليها مهمتها في الانتقال السياسي الحاد, سربت مصادر مقربة من ساركوزي من أنه سيطلب من الاسد استغلال علاقاته مع طهران لحثها على التعاون بشأن برنامجها النووي.
الرئيس الاسد
أعتبر أن "هناك اليوم حقبة جديدة بين سوريا وفرنسا.", غير أن مسؤول فرنسي اعتبر أن
هذه المرحلة بمثابة اختبار لسورية فقد دخل ساركوزي "في هذا الحوار وهو شديد
الانتباه... انه حوار من أجل الحصول على نتائج... اذا لم تكن هناك نتائج.. يتوقف
الحوار".
الرئيس الفرنسي والمعروف عنه طموحه الشخصي لتسجيل انجازات خاصة به والقيام بمبادرات
جديدة بالاضافة إلى نزقه وانفعالاته السريعة, يأخذ عليه خصومه تراجعه عن وعوده في
حملته الانتخابية والتي أعلن فيها أن التزامه بدبلوماسية القيم والتي تقدم حقوق
الانسان على ما عداها, قد يجد نفسه مضطرا لطرح مسألة الاعتقال السياسي والتي ما
تزال تشكل ظاهرة في الحياة السياسية السورية.
القمة الرباعية والتي من المتوقع أن تعقد في دمشق وتضم إضافة لساركوزي والاسد, رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان وأمير قطر الشيخ خليفة ال ثاني لاجراء مباحثات بشأن لبنان وبشأن محادثات السلام السورية-الإسرائيلية. القمة تعزز الدور التركي المتصاعد كما تشير إلى نشاط دبلوماسي قطري طغى على دول عربية كبيرة, خصوصا وأنه يأتي بعد زيارة الرئيس اللبناني للدوحة للتعبير عن التقدير لمساهمة قطر في رعاية الاتفاق اللبناني.
أما زيارة رايس لليبيا –الدولة الثائرة سابقا على الامبريالية- فهي محاولة من الإدارة الأمريكية لتسجيل نجاح دبلوماسي قبل رحيلها بعد سلسلة الاخفاقات الكبيرة الممتدة من كابول وتبليسي ومقديشو وبيروت وغيرهم. المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية شون مكورماك وصف رحلة رايس بأنها " زيارة تاريخية تؤذن بالتأكيد بفتح صفحة جديدة في العلاقات الامريكية الليبية." وكان وزير الخارجية جون دالاس هو اخر وزير خارجية أمريكي يزور ليبيا قبل نحو 55 عاما, هذا البعد الزمني قال عنه مكورماك "اذا فكر المرء في هذا الامتداد الزمني وما حدث في هذه الفترة الزمنية... فقد شهدنا هبوط الانسان على القمر والانترنت وسقوط جدار برلين وعشرة رؤساء امريكيين". من المؤسف أن هذه التغييرات الكبيرة والتي شاهدها العالم لم يكن لها نصيب في الأوضاع العربية, والتي اتسمت بالجمود علميا وصناعيا وبالتقلبات سياسية والاستبداد والتسلط والتي تعود بنا دائما إلى المربع الأول.