تفجيرات الجزائر ومكافحة الإرهاب
تفجيرات الجزائر ومكافحة الإرهاب
د. ياسر سعد
أحداث العنف في الجزائر دخلت طورا جديدا من الإرهاب الأعمى والذي يبدو أن هدفه نشر الموت والخراب في بلد المليون شهيد والذي يكاد يتحول إلى بلد المليون ضحية. من الذي يقف وراء تلك التفجيرات الدموية؟ وهل هناك من يحرك الخيوط من بُعد من القوى السياسية المتحكمة من وراء الكواليس باستخدام تنظيمات من السهل اختراقها وبرمجة مهماتها؟ أسئلة ليس من اليسير الإجابة عليها في عالم عربي يفتقر للشفافية ويستشري فيه الفساد بشكل سرطاني وتتغير فيه الأولويات وتنقلب الشعارات والتوجهات بشكل حاد ومرتجل.
ما يحدث في الجزائر وفي غيرها يستدعى مواجهة جدية لظاهرة الإرهاب ومعالجة جذرية لها وعدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية. فإذا ما نجحت القوات الأمنية في القضاء على تنظيم إرهابي وأفلحت في إنهائه, فإن الأجواء والظروف التي شكلت الحاضنة له قد تؤدي, ما لم يتم التعامل معها بجدية وفعالية, لظهور تنظيمات أخرى أشد تطرفا وفتكا.
عوامل عديدة التي أدت إلى تفاقم ظاهرة الإرهاب, منها ما يشترك فيه العديد من الدول والتي ضربها ذلك الإرهاب, ومنها ما تتفرد به بعضها لأسباب جغرافية أو تاريخية أو غيرهما. على سبيل المثال ففي الحالة الجزائرية فإن تميز الشخصية الجزائرية بشيء من الحدة والشدة قد يكون مرده الوحشية والقسوة التي تعامل بها الاستعمار الفرنسي مع الجزائريين والذي عانوا منه أكثر من قرن من الزمان.
الاستبداد والذي يهيمن على الحياة السياسية في غالبية العالم العربي مع التراجع الكبير اقتصاديا وعلميا وتنمويا وظهور طبقة من الأثرياء والذين يتربعون على قوائم الأثرى عالميا فيما نسب البطالة والفقر المدقع إلى ازدياد, أمور تثير في النفوس مشاعر الإحباط واليأس واللذان يشكلان بذور الفكر ألاستئصالي والذي يترجم لاحقا إلى فعل انتحاري. شعور المواطن بالغربة في بلاده وسعيه الحثيث للفرار منها ولو كان على قوارب الموت في حين يهاجر أصحاب الكفاءات والخبرات حيث يجدون الترحيب والتسهيلات في الغرب, مسائل توهن من روابط الانتماء الوطني والشعور بالارتباط مما يفعّل المشاعر التدميرية في النفوس اليائسة ويؤدي للتعامل مع الحكومات وكل ما يتصل بها من منطلقات عدائية.
وفي الوقت الذي تشدد أنظمة عربية قبضتها الأمنية محليا وتحصي على مواطنيها أنفاسهم, وتنتشر ثقافة التزييف والتي تصور الفشل الذريع نجاحا باهرا, نجد أن الدور السياسي الإقليمي والدولي لتلك الأنظمة هامشي تماما حتى في الأمور التي تمس مستقبل بلدانهم وسيادتها. الانفصام بين المواقف السياسية والمشاعر الشعبية إضافة إلى انعدام الثقة والمصداقية بالأنظمة الحاكمة ووعودها من الأسباب التي ترفد تيار الإرهاب بالكثير من المتطوعين.
ظاهرة الإرهاب الأعمى تضيف إلى الواقع العربي البائس ابتداء, بؤسا ومرارة وتساهم في دفعنا إلى مزيد من التردي والتخلف. مواجهة الإرهاب مسؤولية جماعية وشاملة غير أن النصيب الأكبر منها يقع على الحكومات والتي أدارت بلادها ومجتمعاتها بشكل شمولي فأوصلتها إلى ما هي عليه من التراجع والتدهور وعلى كافة الأصعدة.