التوثيق الحق
سليمان عبد الله حمد
مع حلول الخامس والعشرين من شهر مايو سادت كل أجهزة الإعلام من صحف مطبوعة وصحافة الإلكترونية مئات المقالات كما ظل يحدث كل عام في نفس الموعد إلا أن الأغلبية العظمى من اللذين يتناولون هذه الفترة لا يتناولون أحداث كانوا طرفا فيها أو معاصرين لها أو لأي فترة منها حتى يوثقوا لهذه الفترة بصورة دقيقة خاصة إذا تناولوها بشفافية وتجرد وليس من رؤية الكثير من الروايات التي لا تمت للحقيقة بصلة وتقف خلفها دوافع ذاتية لمختلف الأسباب بين من يصنعها من الخيال متعمدا أو من يستند على مصدر لا يمثل مرجعية معاصرة للحدث وهذه واحدة من اكبر علل التوثيق في السودان لهذا تظل اغلب الوقائع متناقضة تغيب الحقائق وتشوبها ضبابية لحاجة في نفس يعقوب ولعل هذه دعوة لكل من عاصر أي مرحلة من مراحل مايو المتعددة شكلا وموضوعا أن يخرجوا عن صمتهم من اجل توثيق المرحلة توثيقا سليما فالتاريخ لا يرحم التزييف فالوقت ليس وقت محاسبة بقدر ما هو توثيق للتاريخ لهذا لو إن كل من عاصر أي حدث في أي من جزئياته أدلى بما عنده وعايشه بتجرد لبانت الحقيقة ولتم تصحيح الكثير من الروايات الخاطئة التي تسود الصحف وأجهزة الإعلام وأما من يتناولون الأحداث دون أن يكونوا معاصرين لها يدفعهم لذلك رؤيتهم الذاتية أو خدمة لأهداف معينة فإنهم بكل أسف يزيفون التاريخ بضبابية تغيب الحقيقة
والملاحظة الهامة حتى الآن إن الكثيرين من اللذين شاركوا في هذا الحدث أو عاصروا أي جزئية منه لم يصدر عنهم ما يوثق للحدث من أصحاب المعرفة به إلا القليل منهم وان جنح بعض هؤلاء لأسباب ذاتية حتى لا يكون الاهتمام بالأحداث التاريخية من منطلقات سياسية كل يرغب في أن يوثقها بما يخدم هدافه السياسية أو مصالحه الشخصية فانقلاب مايو 69 يختلف عن كل الانقلابات التي نجحت في الاستيلاء على السلطة لأنه شهد من المفارقات والتناقضات والتقلبات ما لم يشهده أي انقلاب كما إن صناع أحداثه أنفسهم عبر مسيرة 16 عاما كانوا أنفسهم يمثلون كل الجبهات السياسية في السودان مما يجعل من كل هذه العناصر والجبهات شهداء على مرحلة من النظام وهم الأولى بتوثيق حقائق كل مرحلة كانوا طرفا فيها.
شخصيا استطيع أن أقول إنني واحد من اللذين شاءت الصدف أن ارتبط
بالفترة الأولى لهذا الانقلاب ارتباطا وثيقا وعن قرب بل وما سبقها من التحضير
للانقلاب بصورة غير مباشرة لهذا ما سأورده هنا في هذه الحلقات يتعلق بهذه الفترة
التي انتهت بعد سنتين من عمر النظام بانقلاب يوليو71 لهذا لست مرجعية لأن أتعرض لأي
مرحلة بعد ذلك ومع ذلك فأنني لا املك أن أجزم بان ما أورده بمثل كل الحقيقة ولكنى
أوثق لما عاصرته مع بعض أطراف النظام فان لم يتوافق مع الحقيقة فقد يرجع هذا لعدم
صحة ما توفر لي من
المصادر التي كنت قريبا منها في أي حدث وهنا تأتي أهمية
أن يخرج كل من عاصر الأحداث أو فترة منها أن يورد ما عنده بتجرد وأمانة حتى نستبين
الحقائق بعد أن أصبحنا توثيق للتاريخ وعن نفسي أرحب بكل من يصحح المعلومة ترد في
هذه الحلقات بكل رحابة صدر فلنكن جميعا طلاب حقيقة, عن نفسي أحب أن أنفى ما يردده
كثيرون من إن علاقتي بمايو كانت بسبب علاقات شخصية أو عائلية مع بعض عناصر الانقلاب
فعلاقتي بالانقلاب وقادتهم تخرج عن دائرة الحزب الشيوعي الذي كنت انتمى إليه
وتحديدا جناح الشهيد عبدالخالق محجوب ومرجعيتي في هذا من الأحياء الطال الله عمرهم
ومتعهم بالصحة والعافية الإخوة خليل الياس رئيس اتحاد الشباب في ذلك الوقت واحمد
خليل احد أهم قيادات الحزب في مديرية الخرطوم والمحامى جلال السيد حيث لم تكن
علاقتي بالانقلاب نابغة من علاقات عائلية أو صداقات شخصية وإنما كانت علاقة قائمة
على الحزب ا لشيوعي وانتهت بنهاية هذه العلاقة واستشهاد قادة الحزب من الجناح الذي
انتمى إليه وقتها وهذا ما لزم توضيحه وتأكيده بدءا قبل الدخول في هذه الحلقات وان
كنت قد طرقت نفس الموضع في مؤلف خاص وفى مقالات في فترات كثيرة متباعدة.
وما لا يعلمه مروجو الشائعات فلقد جاءت مايو في 69 وأنا في الدرجة دى اس من عام 67(أي قبل الانقلاب) وغادرت مايو في مطلع 72 في نفس الدرجة دى اس حيث غادرت الخدمة دون معاش و لمن يغالط ذلك فملف خدمتي في ديوان شئون الموظفين وكونوا معي في مشوار مع أحداث أول عامين بكل شفافية وترحيب بكل من يملك أن يصحح معلومة أخطأت فيها.