نعم لمنع المواطنين من تنفيذ إجراءات من اختصاص الأجهزة المختصة

أذاعت القناة الثانية يوم أمس بلاغا أعتقد أنه لوزارتي الداخلية والعدل معا إذا ما كنت قد أحسنت الإصغاء يدعو المواطنين  للتوجه  إلى الجهات الأمنية المختصة قصد التبليغ عما يحدث من مخالفات مع منعهم من التدخل و تنفيذ إجراءات ليست من اختصاصهم . ولا شك أن هذا البلاغ جاء على خلفية تدخل بعضهم لإجلاء بعض المهاجرين غير الشرعيين من شقق احتلوها بالقوة في مدينة طنجة  ، وقد ذكرت القناة الثانية أن أحد الرعايا الأفارقة ربما يكون قد فارق الحياة بسبب تعرضه لاعتداء من طرف  بعض الأشخاص . وقد يكون سبب إذاعة هذا البلاغ أيضا ما حدث في مدينة إنزكان حين حاصر بعضهم فتاتي الصاية الكاشفة ، أو ما حدث في مدينة فاس حين اعتدى بعضهم على شاب شاذ جنسيا . ومعلوم أن ما حدث في إنزكان وفاس كانت له ردود أفعال غاضبة في أوساط شريحة نصبت نفسها للدفاع عن الحريات بما فيها حرية اللباس وحرية تعاطي الشذوذ الجنسي ردا على شريحة نصبت نفسها وصية على تنفيذ القانون ،وهو ما جعل الدولة تتدخل عن طريق هذا البلاغ .ومن حق الدولة أن تذيع  مثل هذا البلاغ وتتخذ إجراءات ضد كل مواطن  يتدخل في شؤون من اختصاص الأجهزة الأمنية والقضائية للدولة . ولا يجادل في هذا الأمر إلا متجاسر على هيبة الدولة إلا أن ما يحدث في الواقع هو غياب الجهات المختصة أثناء حدوث ما يستوجب التدخل السريع والفعال . فعلى سبيل المثال لا الحصر كم من عملية سطو تحدث يوميا في الأماكن العامة والشوارع بشكل علني حيث يقوم مجرمون باعتراض السابلة خصوصا من الإناث لتجريدهن من حقائبهن أو حافظات النقود أو الهواتف الخلوية أو الحلي والمجوهرات حيث يستخدم المعتدون الدرجات النارية والأسلحة البيضاء وما يشبهها من أدوات للاعتداء على الضحايا وترويعهم من أجل ابتزازهم بالقوة بالرغم من صراخهم واستنجادهم بالمارة . وقد لا يجرؤ المارة على التدخل لتخليص الضحايا من المهاجمين خوفا من أسلحتهم البيضاء ، ويكتفي المارة بالتفرج والاستنكار والحوقلة عملا بأضعف الإيمان في مواجهة منكر السطو والاعتداء . ولا تصل الجهات المختصة لنجدة الضحايا إلا بعد فوات الأوان وإفلات المعتدين ، ويكون الإجراء الوحيد هو تحرير تقارير ومراكمتها  لدى الدوائر الأمنية وقد لا تفتح أبدا ملفات الاعتداءات وتطوى إلى الأبد بسبب تعذر متابعة الجناة ، ويظل الضحايا يعانون الحسرة والألم والشعور بالغبن . مئات الهواتف الخلوية تسلب يوميا وتسوق في الأسواق ، وهو ما يعتبر تشجيعا على السرقة الموصوفة دون وجود رقابة على هذه الأسواق لمنع النشالين والنصوص من ممارسة عمليات النهب والسلب .ومع أننا نستنكر اعتداء مواطنين على مهاجر إفريقي ، أوعلى شاذ جنسي ، أواعتراض ومحاصرة فتاتين بصاية كاشفة فإننا نأسف شديد الأسف لصدور بلاغ على خلفية هذه الاعتداءات والتدخلات غير المشروعة في حين تحدث عبر تراب المملكة يوميا عشرات وربما مئات عمليات السطو والاعتداء على المواطنين دون أن يكون ذلك باعثا على صدور مثل هذا البلاغ الذي نثمنه ولكن نريد أن تكون الجهات المختصة برعاية أمن المواطنين حاضرة وقريبة منهم وفعالة وناجعة التدخل ، ولا تدخر جهدا في ملاحقة الجناة في كل الظروف  .ولا شك أن الذي يحمل بعض الناس على التدخل في أمور من اختصاص الجهات الأمنية والقضائية هو غياب هذه الجهات ساعة الحاجة الماسة إليها . فلو أن الجهات الأمنية كانت قريبة من المهاجر الإفريقي لحظة وقوع الاعتداء عليه لأنقذته من الموت المحقق أو لو أنها تولت أمر منعه من احتلال ما لا يحق له أو لو أنها منعته أصلا من دخول البلاد بطريقة غير شرعية لما طرح مشكله أصلا . ولو وجدت عندنا شرطة أخلاق تمنع كل شكل من أشكال الإخلال بالآداب العامة لما حوصرت فتاتي الصاية الكاشفة من طرف السابلة . ولو أن شرطة الأخلاق منعت الشاذ جنسيا من إشهار شذوذه المستفز للمجتمع لما وقع عليه الاعتداء . أجل كان من المفروض أن تبلغ الجهات المختصة بهذه النوازل لتتدخل وفق  ما يمليه القانون لو أنها كانت  حاضرة وقريبة لحظة وقوع النازلة إلا أن غيابها أو تأخر تدخلها هو السبب في تجاسر البعض على اختصاصها . ولقد وجد البعض الفرصة سانحة للطعن في قانون موجود يدين الإخلال بالآداب العامة واتهمته بالغموض ، واتهمت من يختص بتطبيقه بالشطط وسوء التطبيق. ولنأخذ على سبيل المثال نازلة الصاية الكاشفة التي تم تحويرها إلى اعتداء على حرية اللباس وإخراجها من دائرة الإخلال بالآداب العامة بدعوى أن هذه الصاية الكاشفة تباع وأن بيعها يشرعن استعمالها. أو ليست الملابس الداخلية تباع والناس في حاجة إليها ويقتنونها ومع ذلك يعتبر لبسها في الأماكن العامة إخلالا بالآداب ؟ ولسنا ندري هل سيخوض المشرع في موضوع تحديد متى يعتبر اللباس مخلا بالآداب العامة وفي حدود ما يجب أن يكشف عنه من الجسد الذكوري والأنثوي ليعتبر ذلك إخلالا بالآداب العامة ؟ وهل يحق للوزارة الوصية عن الشأن الديني أن تتدخل بفتوى تحدد حدود الإخلال بالآداب العامة التي هي آداب إسلامية عندما يتعلق الأمر بالكشف عن الجسد وباللباس المقبول أو المرفوض شرعا ؟ وإذا ما افترضنا أن ذلك حدث فكيف يمكن التعامل مع غير المنضبطين لقوانين الإسلام في اللباس من علمانيين ومن سواح أجانب لا يقبلون الانصياع للآداب العامة للبلاد  ؟ ومعلوم أن بعض  البلاد العلمانية في الغرب تجرم  اللباس غير المقبول علمانيا على غرار ما حدث في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر، والتي منعت حجاب ونقاب النساء المسلمات بذريعة منع الرموز الدينية في بلد لا ديني . فبأي حق يجوز لبلد غير ديني أو لائكي أن يمنع اللباس المناقض للادينيته أو للائكيته في حين يمنع بلد ديني من منع اللباس المخل بقيمه الدينية ؟ ولقد رفعت شعارات منددة بالتضييق على حرية اللباس الأنثوي متهمة الحكومة بالتطرف والتخلف وتطبيق الفكر الإخواني والإرهاب علما بأن  تصفية الحساب مع هذه الحكومة بسبب توجه حزبها  الإسلامي  عن طريق المظاهرات التي لا نهاية والتي تستغل كل فرصة وكل مناسبة  بات أمرا مألوفا يوميا وسببه الصراعات الحزبية في غمرة حملات انتخابية قبل الأوان . ولقد بلغ التطرف في وصف هذه الحكومة من طرف خصومها حد نسبتها إلى عصابات إجرامية مثل داعش رغبة في تشويه سمعتها بحجة أن هذه العصابات الإجرامية لها نفس المنطلقات الدينية لحزب هذه الحكومة ،الشيء الذي يعكس مدى تدني الخطابات الحزبية والسياسية ومدى الرغبة في النيل من حكومة حزب ذي مرجعية إسلامية وبشكل فج ومفضوح  وواضح التحامل . ومع شديد الأسف لا تتدخل الدولة لمنع التحريش الإيديولوجي المسبب للاحتقان والمحرض على الصراع وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد عوض ترسيخ مبدأ التعايش والحوار البناء ومبدأ قبول الآخر عوض التفكير في استئصاله ، وذلك في ظل ثوابت الأمة الملزمة لجميع الأطياف السياسية وعلى رأس هذه الثوابت  دين الأمة  الذي تحمي حماه المؤسسة الملكية كما تحمي قيمه الأخلاقية . ولا شك أن النفخ في الخلافات الحزبية والسياسية والإيديولوجية للشعب الواحد من شأنه أن يؤدي به إلى ما تحمد عقباه على غرار ما يحدث في بعض البلاد العربية التي تشتعل فيها نيران النعرات الطائفية والإيديولوجية والتي أتت على يابسها وأخضرها وأهلكت الحرث والنسل ونشرت الدمار والخراب . وإن غياب الدولة أو تراخيها في مواجهة ترويج وتسويق الكراهية بين أبناء الشعب من شأنه أن يغري أصحاب النعرات والعصبيات بالسير بالبلاد نحو المجهول ونحو ما لا تحمد عقباه . ولا شك أن الدولة المغربية حريصة كل الحرص على أمن المغرب واستقراره ورخائه وازدهاره ، ومن حرصها أن تحمي مقوماته بما فيها المقومات الخلقية وتمنع كل من يريد النيل منها بشكل أو بآخر تحت شعار ممارسة الحرية التي لها ضوابط تضبطها ، علما بأن الحرية  مكسب يشترك فيه الجميع دون تمييز . وحظ كل مواطن من الحرية أن ينال ما لا يمس حرية غيره ويحترمها  . وليس من الحرية في شيء الاستخفاف بما يقع عليه إجماع الأمة من قيم وأخلاق مستقاة من ديننا الحنيف والذي لا يطعن فيها إلا فتان خارج عن هذا الإجماع . ولئن طالب البعض بحرية العري  وحرية الشذوذ الجنسي ... وما شابه ذلك فإن المجرمين سيطالبون أيضا بحرية الإجرام . ونختم بالدعاء الصالح لهذا البلد الآمن بالأمن والأمان والسلم والسلام وبالتوفيق لقيادته الرشيدة ولشعبه الأصيل المحب للسلام ولمكارم الأخلاق .  

وسوم: العدد 623