على العراق السلام
جميل السلحوت
سلام على عراق الخير من شماله الى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه، سلام على بغداد الرشيد، مدينة السلام التي دمّرها الحاقدون، عندما قرّر جورج دبليو بوش احتلال العراق العظيم زاعما أنه يتلقى أوامره من الرّب، واختلق أكاذيب تحت شعار"تحرير العراق من الدكتاتورية؟ فشنّ حربه الظالمة على العراق في آذار 2003 ودمّر العراق وقتل الشعب العراقي بتمويل عربي، وهدم دولة العراق، والسبب هو منع العراق العظيم من أن يكون الدولة الاقليمية الأولى، خصوصا بعد دخولها مجال التصنيع العسكري والمدني، تمهيدا لاعادة تقسيم المنطقة، وقسموا العراق الى طوائف وقوميات، وأثاروا الفتن والقلاقل، ونهبوا خيرات البلاد وأهلكوا العباد، وسلموا الحكم لجماعات طائفية لتكميل مسيرة تقسيم العراق، كي لا تتحمل أمريكا مسؤولية ذلك تاريخيا، ووجدوا ضالتهم في نور المالكي الذي طغى وتجبر، وأشاع الفرقة وفتح العراق للأطماع الفارسية.
المنطقة الكردية: مناطق شمال العراق الكردية شكلت حكومة ذاتية منذ حرب الخليج الأولى في العام 1991، واذا كان من حق الأكراد أن يقرروا مصيرهم فوق ترابهم الوطني مثل بقية القوميات، وبغض النظر عن المظالم التاريخية التي لحقت بهم، إلا أن تاريخهم ودينهم لا يبرر لزعامتهم من آل البرزاني هذا التعاون اللامحدود مع اسرائيل، فعلاقتهم مع اسرائيل وطيدة منذ ستينات القرن الماضي زمن الملا مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني الحالي، الذي نسق مع الموساد الاسرائيلي لتزويده بالسلاح وتدريب أتباعه عليه لإثارة القلاقل في العراق، وبعد العام 1991 قامت امريكا بتسليح البشمركة الكردية، التي أقامت دولتها غير المعلنة منذ احتلال العراق في العام 2003. والبرزاني يستغل الآن فرصة القلاقل وعدم الاستقرار في العراق ليجري استفتاءه حول استقلال الاقليم، واعلان الدولة الكردية، وقد يسهل عليه ضم المنطقة الكردية في الشمال السوري مستغلا "الفوضى الخلاقة" والحرب الأهلية الدائرة في سوريا. لكنه بالتأكيد سيخوض حروبا طاحنة وطويلة مع تركيا وايران اذا ما حاول أكراد البلدين الانضمام الى دولة البرزاني، وهذا ما سيحصل.
داعش والدولة السّنّيّة: وبغض النظر عن العواطف الدينية للكثيرين، وللفتنة الطائفية بين السّنّة والشّيعة التي تغذّيها أمريكا وايران، وبعض مشايخ المتأسلمين الجدد في العراق وسوريا ولبنان والبحرين وشرق السعودية وغيرها، والتي تصول فيها حكومة المالكي الطائفية، التي اضطهدت أهل السّنّة وسمحت لجيشها الطائفي وللمليشيات الشيعية للفتك بأهل السّنّة، وقتلهم وتدمير دور عبادتهم، إلا أنه يجب الالتفات الى"داعش" والتساؤل عن نشأتها؟ وعن مصادر تمويلها بالسلاح والمال؟ ومن درّبها، وكيف استغلت عواطف رعاع أهل السنة؟ وكيف استطاعت السيطرة السريعة على مساحات شاسعة في العراق وسوريا؟ وكيف استسلم لها الآلاف من جيش المالكي الطائفي؟ وكيف انسحب الآلاف منهم أيضا تاركين أسلحتهم خلفهم دون قتال؟ واقتران ذلك بسيطرة البشمركة الكردية على مناطق واسعة في جنوب الاقليم. وما تبع ذلك من اعلان البرزاني عن استفتاء شعبي للمناطق الكردية حول استقلال الاقليم؟ ودعوة السيستاني المرجع الديني الشيعي للجهاد والتي لباها ملايين الشباب الشيعي، وسيطرة داعش على الحدود السورية العراقية وتواصلها مع "داعش" سوريا، واعلان داعش عن تنصيب البغدادي خليفة لدولة الاسلام في العراق وبلاد الشام! ألا تدعو هذه الأحداث المتسارعة إلى التساؤل؟ وإلى أين ستصل الأمور؟ وهل الجيش العراقي والحرس الثوري الايراني الذي يستبيح العراق، واتفاقات الدفاع المشترك مع أمريكا غير قادرة على تحجيم داعش؟ ولماذا تقف دول الخليج العربي مع داعش؟
تقسيم العراق وسوريا والسعودية واليمن: كل الدلائل تشير أن اقليم كردستان العراق سيعلن دولة مستقلة، وداعش العراق ستتمدد الى المناطق السنية في سوريا وبعض مناطق لبنان، وستتبع دولة"خلافة البغدادي"، وستعلن دولة شيعية في جنوب العراق كتحصيل حاصل، وسيحاصر العلويون في سوريا مع شيعة لبنان؛ لتكون لهم دولتهم أيضا، وستقوم دولة مسيحية في لبنان، وأخرى درزية في جبل العرب والجولان السورية ومناطق الشوف في لبنان، وستتبعها دولة شيعية شرق السعودية، ودولة دينية في الحجاز"مكة والمدينة" وقد تنشأ دول أخرى في السعودية تتقاسمها الأجنحة المتصارعة في العائلة المالكة، وسيقسم اليمن مرة ثانية، وستبقى هذه الدول الطائفية متصارعة الى ما لا نهاية، وسيجري تصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني، وهذا هو مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي رسمته أمريكا لاعادة تقسيم المنطقة، ولتبقى اسرائيل هي الدولة الوحيدة القوية والمسيطرة في المنطقة.
وبعدها سيخرج علينا المتأسلمون الجدد بفتاوي تبرئ ذمتهم مما جرى ويجري، أو سيردونه زورا وكفرا وبهتانا الى"قضاء الله وقدره".