حول خطة ديمستورا والبيان الرئاسي حول الحل السياسي في سورية
تقدير الموقف السياسي
اتضحت تفاصيل خطة السيد ديمستورا التي قدمها إلى مجلس الأمن قبل أيام. وبعد دراسة وثيقة المسار التفاوضي التي تشرح آلية تطبيق ما ورد في تقريره لمجلس الأمن الدولي بتاريخ ٢٩ تموز ٢٠١٥ والبيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن الدولي في ١٧ آب ٢٠١٥ ، تكشفت عن إشكالات لابد من التنبه لها والتعامل معها من أجل الوصول إلى الحل السياسي المنشود.
النقاط الرئيسية التي اتسمت بها جهود المبعوث الدولي السيد ديمستورا:
اتسمت جهود المبعوث الدولي بالغموض، بدءاً من خطة تجميد الصراع التي ولدت في مطبخ نظام الأسد وانتهاءاً بمشاورات جنيف الأخيرة. اختار السيد ديمستورا في مشاروات جنيف منهجاً يرى المعارضة متفرقة بسبب خلافاتها السياسية وتجاهل بأنها موحدة في رؤيتها للحل السياسي.. بينما تعامل مع النظام على أنه موحد رغم خلافاته التي وصلت حد التصفيات والاغتيالات في صفوفه. العناية بإرضاء الأجندة الروسية والإيرانية، في ظل تراجع الدور الأمريكي وتراجع دور أصدقاء الشعب السوري. تفاقم التدخل الدولي والإقليمي بالمسألة السورية ووصوله إلى مرحلة متقدمة سيطرت فيه تلك الأجندات المتصارعة على الملف السوري في كل تفاصيله السياسية والعسكرية والإغاثية والاجتماعية.
ولطالما كان السؤال الكبير المحير الذي تردد على لسان أعضاء فريق الأمم المتحدة:
كيف الوصول إلى الحل السياسي وتشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية بدون الأسد الذي يتمتع بالقوة العسكرية على الأرض؟
كذلك كان السؤال الكبير لدى المعارضة:
كيف يمكن أن ينصاع الأسد إلى أي مقترح حول الحل السياسي، في الوقت الذي يتجاهل فيه المجتمع الدولي والمنظمة الدولية استمرار الجريمة في ظل تصريحات النظام والمحتل الإيراني تعلن عن إصرارهم على الحسم العسكري؟ تماماً كما تتجاهل تجاوب المعارضة مع جهودها حول الحل السياسي! كيف يمكن الوصول إلى الحل السياسي بينما يستمر قتل شعبنا على يد الأسد وطغمته الحاكمة وبمشاركة مباشرة من المحتل الإيراني وبدعم روسي على جميع المستويات.. بينما تعاني المعارضة من دعم متردد من أصدقائها الذين شغلوا في ملفات إقليمية، ربما غيّرت في ترتيب سلم أولوياتهم.
تقوم خطة ديمستورا الجديدة على مرتكزين أساسيين:
الأول: هو مجموعات العمل الأربعة التي تأتي في شروح مقتضبة وتفصيلات غير كافية الثاني: هو مجموعة الاتصال الدولية للضغط على جميع الأطراف
جاء الحل المقترح مخيباً للتوقعات والآمال.. ليطرح نفس فكرة مجموعات العمل الأربعة التي انتهت إليها جنيف ٢ مع تعديلات هنا وهناك، بمشاركة النظام والمعارضة والرماديين.. “بدون محاصصة عددية” كما عبرت شروحات الفريق الدولي.. ربما تعني مشاركة المعارضة الوطنية بعشرة إلى خمسة عشر بالمائة من نسبة التمثيل!
وتتركز نقاط الإشكال في الخطة المقترحة في عدة أمور يمكن إيجازها في النقاط التالية:
فشل المقترح في طرح الأمور الإنسانية المتعلقة بحماية المدنيين مثل وقف جميع أشكال القتل والقصف والإفراج عن المعتقلين وفك الحصار قبل البدء بأي عملية سياسية.. وهي إجراءات بناء الثقة لتوفير المناخ الملائم للمفاوضات. وبدلاً من ذلك تم تحويل كل ذلك إلى موضوع إحدى مجموعات العمل، مما يهدد العملية السياسية التي تحاول مقايضة الشأن الإنساني بالموقف السياسي ثمناً للتنازل عن الحقوق المشروعة للشعب السوري. اعتماد آلية اختيار انتقائية غير عادلة وغير شفافة سينتج عنها تمثيل يفتقد المصداقية في التفويض لأصحاب الشأن أولياء الدم الذين قدموا أرواحهم وأموالهم وهجروا من منازلهم ثمناً لنيل حريتهم وكرامتهم. الزمن المقترح لإنجاز ورش العمل المقترحة في شهرين تظهر عدم جدوى ما ستنتجه ورش العمل أصلاً، مما يطرح تساؤلات عن دور تقارير مجموعات العمل في ظل غياب كامل للشفافية كما حدث في مشاورات جنيف الأخيرة. مما يطرح سؤالاً محقاً: هل ستكتب التقارير وتعتمد في إطار مختلف، ثم يتم فرضها على السوريين؟! إن العملية السياسية في ضوء كل هذه التعقيدات والغموض ستستغرق وقتاً طويلاً، مما يتيح للنظام أن يعمل على تعويم نفسه وتعزيز مكاسبه على الأرض٬ بينما تتصاعد حدة جرائمه كل يوم. ومايزال المجتمع الدولي يرفض تحقيق الانتقال السياسي الشامل دون وجود الأسد ورموز حكمه وأركانه.
الموقف المقترح:
على الرغم من أن الجماعة تنحاز إلى الحل السياسي للقضية السورية، إلا أنها ترى أن هذا البيان لا يلبي تطلعات الشعب السوري، ولا يرقى إلى تحقيق أهداف ثورته في الحرية والكرامة، والتحرر من الاستبداد.
في ضوء المعطيات المختلفة، نقترح تحركاً يوازن بين تفنيد المقترح بصورته الحالية والضغط من خلال موقف معارض موحد لتصحيح المسار وتفويت الفرصة على محاولة إخراج المعارضة من المعادلة السياسية لسورية المستقبل وذلك من خلال الخطوات التالية:
العمل على إجراء مشاورات من أجل التنسيق وتوحيد الموقف مع الفصائل ومنظمات المجتمع المدني ومختلف أطراف المعارضة الوطنية. تفنيد الإشكالات في الخطة المقترحة والبيان الرئاسي من الناحية الفنية وبخاصة من الجانب السياسي والقانوني.. واستثمار النقاط الإيجابية في البيان مثل التأكيد على وحدة التراب السوري والقضايا الإنسانية كإجراءات بناء الثقة وتسليط الضوء عليها. التوجه مع أطراف المعارضة بعدم التعامل مع الخطة المقترحة مالم تبدأ إجراءات توفير المناخ الملائم من وقف استهداف المدنيين والقصف بالبراميل.. الخ. التحرك المشترك مع جميع أطراف المعارضة وبخاصة الفصائل العسكرية ومتابعة العمل من خلال الائتلاف والمؤسسات الوطنية على التواصل مع الأمم المتحدة لتقديم رؤيتها حول الإشكالات القائمة في المقترح الدولي لتعكس تطلعات الشعب السوري.. المطالبة بنزاهة ومصداقية التمثيل للمعارضة السورية في العملية السياسية القادمة والتأكيد على رفض أي مقترح يمكن أن يؤدي إلى تعويم النظام. تسليط الضوء على الرؤية السياسية المشتركة التي عبرت عنها مختلف وثائق المعارضة، والتي أجمعت في غالبيتها على ضرورة تحقيق انتقال سياسي جذري وشامل٬ ينهي حياة الظلم والفساد والاستبداد بإسقاط رأس النظام ورموزه وأركانه، ويغلق الباب بشكل نهائي أمام أي دور له في المرحلة الانتقالية وفي سورية المستقبل. العمل على دعم الجهود القائمة لإنشاء المنطقة الآمنة بأسرع وقت ممكن وتذليل جميع الصعوبات أمامها لمواجهة الخطر القادم وتحسين الوضع التفاوضي للمعارضة. التحرك الفوري في الإطار الدولي والإقليمي وبخاصة الأشقاء والحلفاء للتعامل مع الموقف وطلب الدعم اللازم لتصحيح المسار.
المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
٢٢ آب ٢٠١٥
وسوم: العدد 631