بوتين يدفن خطة دي ميستورا
لم يكن ينقص المبعوث الدولي إلى سوريا السيد ستيفان دي ميستورا ليطلق خطته إلا الانخراط الروسي في الصراع السوري وإرسال قوات وأسلحة إلى سوريا، وكأن العقبات الكثيرة والكبيرة التي يواجهها ليست كافية لإجهاضها فجاءت ضربة بوتين لتدفنها تحت الركام.
ففي الوقت الذي كان السيد دي ميستورا يخطط لاجتماع افتتاحي للجانه الأربع بعد أن سمى مدراءهاوهم: فولكر بيرتس، رئيس ومدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية الخبير في الشؤون السورية، ويان أياغالان، رئيس مجلس اللاجئين النرويجي مسؤول تحالف دولي للمنظمات الدولية، و بريجيبهولتس- العاني، السفيرة السويدية السابقة في بغداد (تسلّمت الملف السوري لفترة وجيزة)، ونيكولاشيرا، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية، وبذل جهودا مضاعفة لإقناع الأطراف المعنية بتقديم أسماء مندوبيها الى هذه اللجان، والاتفاق على ساعة الصفر لبدء جلسات الحوار، باعتماد تكتيك تدوير الزوايا بين المتصارعين لتسويق الخطة وخطواتها الإجرائية ولو عبر تمييعها والتقليل من جديتها بسحب كل نقاط الخلاف لتحاشي التحفظات إلى حد إبلاغه النظام السوري أن مهمة اللجان الأربع التي اقترحها هي "العصف الفكري" وان "نتائجها غير ملزمة إلا أخلاقيا"، كان قد ابلغ المعارضة أنمخرجات عمل اللجان الأربع برامج عمل تطبيق بيان جنيف 1، والتي ستظهر في جنيف 3، وأنها ستعمل بالتوازي، بحيث لا تبقى مشكلة الأولويات تثير الخلاف والتعارض، في هذا الوقت جاء التحرك العسكري الروسي في سوريا ليفرض قواعد جديدة للعبة ويعيد تشكيل المناخ السياسي والعسكري عبر دعم النظام بالتواجد على خطوط التماس في مناطق حاضنته وخزانه البشري في محافظتي اللاذقية وطرطوس،ويمنح النظام حماية إضافية بتعزيزه قدرته النارية برا وجوا بمده بأصناف جديدة من الأسلحة دقيقة وشديدة التدمير(خمس طائرات مقاتلة، طائرات استطلاع ومعدات عسكرية، صواريخ موجهة عن بعد، أجهزة استطلاع جديدة تساعد في تحديد مكان الهدف بدقة متناهية، بالإضافة إلى رادارات مرافقة لهاومناظير ليلية) ما دفع الأخير إلى رفع سقف مواقفه عبر التمسك بأولوية محاربة الإرهاب ورفض أي إجراءيمس بالسيادة السورية، التي تمثلها شرعية رئيس النظام، وفق تفسيره طبعا، وعدم موافقته على المبادرة الإيرانية، والتمهل في الإعلان عن موقفه من خطة دي ميستورا، فلم يقدم أسماء مندوبيه إلى اللجان الأربع أو يحدد موعدا لتقديمها، وساجل حول تفاصيل عمل اللجان، ومعايير اختيار المشاركين، وإدارة الجلسات وجداولها الزمنية، وأهلية المنسقين، والتأكيد على البدء بلجنة الإرهاب، باعتبار محاربة الإرهاب أساس أي مسار سياسي، ما عكس عدم رضاه على الأجوبة التي قدمها دي ميستورا وفريق عمله، هذا بالإضافة إلى الانتقادات الحادة التي وجهها وزير خارجية النظام إلى المبعوث الدولي في اللقاء الذي جمعهما يوم الجمعة 18 الجاري واتهامه بعدم الحيادية(وصف اللقاء بغير الودي، وغير المنتج) وإطلاقهحملة جوية ضد معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها دون تمييز بين فصيل معتدل وفصيل متشدد وبين مدني ومسلح فقتل ودمر.
اعتبر النظام التحرك العسكري الروسي إن من حيث السرعة والقوة أو من حيث التوقيت قلبا للطاولة على السيناريوهات المطروحة إن لجهة التوازي في معالجة الملفات بالتأكيد على أولوية محاربة الإرهاب، وهو موقفه المعلن من بداية الصراع، أو لجهة وقف تراجع قواته وتعزيز قدراتها، بحيث تصبح قادرة على الصمود والانتقال إلى الهجوم لاستعادة ما خسرته مؤخرا بحيث تُسيّج مناطق حاضنتها وتبعد الخطر عنها، فتمسك بمواقفه من صيغة الحل السياسي المطروح وجدد رفضه التغيير في طبيعة النظام وهيكله القائم.
أثارت تقلبات دي ميستورا، ردود فعل المعارضة السياسية والعسكرية وقد تجسد ذلك في تحفظ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على أجوبته فذهب في بيانه إلى تأجيل إعلان موقفه إلى ما بعد التشاورمع الفصائل العسكرية وأطياف المعارضة السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني والرجوع إلى الهيئةالعامة لاتخاذ القرار المناسب، في حين تبنت كبريات الفصائل المسلحة، بينها "أحرار الشام" و "جيشالإسلام"، موقفا متشددا من الخطة، وقالت في بيان إن مجلس الأمن دعا إلى "تحقيق انتقال سياسيعلى أساس بيان جنيف وإنشاء هيئة حكم انتقالية"، داعية المبعوث الدولي إلى "الشروع مباشرة بتنفيذبيان جنيف محاطا بضمانات إقليمية ودولية من دون اللجوء إلى إجراءات ولجان مسبقة تستغرق فترةزمنية ينتج منها تفريغ بيان جنيف من محتواه"، وجددت تمسكها بـ "شرط رحيل الأسد وكل أركاننظامه". كما استفز دولا عربية وإقليمية، حيث جددت السعودية رفضها بقاء رأس النظام السوري في السلطة، ربطت بعض التحليلات بين هجوم جيش الإسلام شرق دمشق والرفض السعودي للتدخل الروسي، ودفع الولايات المتحدة إلى التحذير من أن التحرك العسكري الروسي سيؤدي إلى تصعيد النزاع، والذي فسر على انه تلميح إلى تغيير الموقف الأمريكي، سيناريو يذكر بديناميات المواجهة خلال الحرب الباردة، وكل هذا سيقود إلى دفن خطة دي ميستورا ويخرجها من مجال التداول إلى أن يتبين اتجاه التحرك العسكري الروسي ومآلاته العملية وردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية وقدرتها على جبه هذا التحرك واحتواء مفاعيله وانعكاساته أو الذهاب إلى مواجهة بالانخراط في حرب بالوكالة في جزء منها، ومباشرة في جزء منها، ما سيحول سوريا إلى ساحة صراع ملتهبة ونقطة جذب لكل القوى النشطة وخاصة الجهادية، وعلى رأسها القوقازية، التي ستجد بالصراع فرصة للاقتصاص من تدمير غروزني من قبل الجيش الروسي بقيادة فلاديمير بوتين.
وسوم: 634