أصوات شاذة
قد تتفق معي حين تقرأ مقالي هذا وقد ترفضه اجمالاً، لكن العبرة تكمن في الطرح وابداء الرأي مهما اختلف الاخر عنك، ومهما ابتعد مساره عن مسارك الايديولوجي والانتمائي وحتى الوجداني، وعلى هذا الاساس احببت ان اطرح هذه الرؤية حول مايحدث في كوردستان بالاخص في الاونة الاخيرة لاسيما فيما يتعلق بقضية رئاسة الاقليم والمظاهرات التي خرجت في السليمانية ومدنها واقضيتها ونواحيها، وبمحصلتها موقف الاحزاب الكوردية من بعضها، والحرب الاعلامية التي باتت تشكل صوتاً شاذاً وغير محبباً لدى الشارع الكوردي في هذه الظروف بالذات لكون الحرب مع امير الظلام والسواد الخليفة الداعشي النكاحي مستمرة من جهة، وكذلك المدى والافق الذي وصل اليه الصوت الكوردي من حيث اثبات وجوده كعنصر فعال ومهم على الساحة الاقليمية والدولية سواء من خلال تجربته في الحكم او من خلال الرؤية الاقتصادية التي تبناها في ادارة شؤونه او من خلال صمود البيشمركة في وجه الطغيان وبالتالي دخوله في حسابات القوى العظمى كاحد اهم الاسلحة الفعالة التي تحارب الارهاب.
كل هذه الامور اصبحت من محددات الوقائع ومؤشرات الحسابات المحلية والاقليمية والدولية التي تتبنى على اسسها الاحكام والقرارات بشأن الكورد وكوردستان، ولكن ما يحدث الان لربما اربك بعض الحسابات وغير بعض المؤشرات والوقائع لاسيما فيما يخص التجربة الحكمية الكوردية والازمة الاقتصادية التي نتج عنها الكثير من التشعبات سواء على المتسوى الادائي السياسي الحكمي الاقتصادي او من حيث البناء العلاقاتي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهذا ما استغلته الاصوات الاعلامية الشاذة في طروحاتها حول القضايا فتاشبكت وتاهت عن مساراتها الحقيقية، واصبحت اداة غير محببة بيد البعض لاثارة الفوضى بين الشرائح الاجتماعية والنخبوية في آن واحد.
ولعل ابرز تلك الاصوات الشاذة تلك التي استغلت التظاهرات لتحقيق مكاسبها الشخصية وتصفية حساباتها مع الجهات الاخرى وهنا لااخص طرف دون اخر، فاغلب الاطراف والاحزاب السياسية استغلت الموقف لتضيف لرصيدها مكاسب ولكن ما شذ عن الواقع هو انتحال البعض شخصية المنقذ للقضية وهو في الاصل باعث للفوضى، فالادعاءات والاصوات التي تكررت بشأن قضية رئاسة الاقليم تحولت في المدى القريب الى مجرد حكاية وغطاء لاعمال فوضوية راحت تحرق وتقتل وتذيع على الملأ الخروقات والاتهامات وهي في الاصل ليست الا حلقة متواصلة من تصفية الحسابات الشخصية مع الاخر، والدليل على ذلك ان نقطة الخلاف الاساسية في الموضوع كانت حول رئاسة الاقليم، ومن ثم تحولت الى ازمة الرواتب وتظاهرات وانقطاع عن الدوام ومعها الى هجمات من قبل البعض على مقرات الحزب الديمقراطي في السليمانية ومدنها واقضيتها ونواحيها، وكل هذه الاحداث اتت في وقت كانت الاحزاب الخمسة التي منها تشكلت الحكومة تجلس باستمرار لحل القضايا المعلقة فيما بينها بالاخص بين الحزب الديمقراطي وحركة التغيير.. كما ان الاسلوب الحواري وعدم اللجوء الى العنف والقوة امر كان مستحباً لدى الجميع على الرغم من ان المسألة اخذت وقتاً اطول مما تصوره الجميع.. لكن اجمالا الامر كان متاحاً ومحبباً لكونه لم يشكل خوفاً على القضية وعلى الوجود الكوردي.
لكن تحول الاحداث من الحوار الى استهدافات حزبية وشخصية هو الامر الذي اثار جملة تساؤلات وكما قلنا في مقال سابق لماذا الان، لماذا في كل مرة يصل الكورد فيه الى مكانة بارزة وتكون قضيتهم قضية تحتفي بها المجاميع الدولية والاقليمية يظهر كان وصوت شاذ بين اظهر الكورد ليعيق العملية برمتها.. ؟.
ان الاحداثيات الدلالية لاتشير الى طرف دون اخر وانما الى الاشخاص الذين يؤيدون هذه الغوغائية في التعامل مع القضايا المدنية فالمجتمع المدني لاينكر حقوق احد في المطالبة بما له من حقوق ولكنه يرفض ان يتناسا الجميع ايضا ما عليهم من حقوق تجاه الواقع والظروف والمرحلة التي تمر بها القضية باجملها وليس باشخاصها واحزابها وبعض مؤيدي التظاهرات بالعنف وليس مؤيدي التظاهرات بالسلم، ومن ثم السؤال الاخر ماعلاقة حرق ونهب وقتل الاخرين بنقطة الخلاف الاساسية بين الديمقراطي والتغيير، وما علاقة كل ذلك بالمظاهرات والمطالبة بالرواتب، وما علاقة ما يحدث على طاولة المحادثات والمطالبات بالرواتب بالهجمات على المقرات الحزبية وحرقها.. ومن ثم اطلاق الابواق من بعض الوسائل الاعلامية لتتخذ من القضية سبق صحفي اعلامي يزيد من البلبة ولايخدم المصلحة العامة للقضية الكوردية، ان هذه الاصوات الشاذة بحق لاتمثل الا الاجندات التي تحركها، وليس من داعي لقول من يقف وراء من، فالاعلام مهما ادعى استقلاليته فان السؤال يتكرر كيف ومن اين يأتي بكل تلك الاموال التي يصرفها..؟ ، كما ان اهتمامات الجهة الاعلامية بقضايا على حساب قضايا اخرى لاتقل عنها اهمية من حيث المصلحة العامة للقضية تشكل معلما واضحا لاتجاهات تلك الاصوات الشاذة التي عمت كوردستان وبعثت فيها رسائل غوغائية غير محببة الا من الذين يؤيدون الهرطقة الاعلامية.
ومن هنا نرسل رسالة الى قادة الاحزاب الذي وثق بهم الشعب الكوردي ونحذرهم من مغبة الانصياع لتلك الاجندات الخارجية العابثة بالقضية والاصوات الشاذة، التي تحاول اعاقة المسيرة وتشويه صورة الكورد بعدما استطاعوا الوصول الى هذا الافق واصبح صوتهم مسموعاً واسم البيشمركة على لسان اكبر القادة واكبر القوى على المستوى العالمي.. فياقادة ويا ساسة ويا احزاب اعلامكم بنظرنا هو ما يشكل شخصيتكم في الامس والان والغد فاياكم والانجراف اكثر نحو هاوية الشذوذ الاعلامي وبث التفرقة، اجلعوا من اصواتكم اصوات محبة تقرب البعض من البعض ولاتقتل مبعثات التفرقة وتدفن معها تلك الاصوات الشاذة المستغلة للاوضاع كي لايبقى لها موضع قدم.
وسوم: 638