الآخرون ومحاربة التجربة الكوردية
لم يعد هناك ادنى شك بالنسبة للساسة والمثقفين والشارع الكوردي بان التجربة السياسية الكوردية في كوردستان الجنوبية اصبحت مثار جدل واسع بالنسبة للاوساط السياسية الاقليمية والدولية باعتبارها تجربة نمت وتطورت بشكل تصاعدي سريع واصبحت مثالاً يقتدى به، بل ان الكثير من التيارات والاحزاب والحركات في الدول المجاورة طالبت باعتماد نهج وتجربة الكورد للتخلص من الانتكاسات السياسية الداخلية والخارجية لديها.
وبغض النظر عن الصراعات السياسية التي تحصل الان في كوردستان والمتمثلة بصراع الاحزاب حول وضع دستور وقانون للرئاسة في كوردستان وكذلك الازمة الاقتصادية والتظاهرات التي تعم السليمانية ومدنها واقضيتها بسبب تأخير صرف الرواتب ، وصراع الكورد مع بغداد والحكومات العراقية الاتحادية المتوالية من اجل وضع قانون ثابت حول الميزانية وبيع النفط الكوردستاني، فانني اراها اجمالا تزيد من قيمة الرؤية الديمقراطية الكوردستانية باعتبارها اعتمدت لحد الان اسلوباً حوارياً شاقاً ذا وتيرة تصاعدية وضمن اعتبارات لاتمس بالاخر ولاتقوم بتهميشه - حتى ان حدثت بعض الانفلاتات- ، فمثل هذه الاحداث وهذه الصراعات اراها استكمالية لاية تجربة ديمقراطية طالما هي لاتحيد عن الحريات ولاتصل الى استخدام القوة والسلام والتقاتل الداخلي، ولاانكر هنا بان هذه المرحلة جاءت بقفزة نوعية دون المرور بالحرب الاهلية ولكن تلك الحرب نفسها كانت تجربة استطاع الكورد من الاستفادة منها والخروج منها باعتبارات ومفاهيم توحد المسلك وتوجهه نحو اهداف مستقبلية ولعل ابرز تلك الاهداف هو انشأ كيان كوردي مستقل متمثل بدولة كوردية.
ولكن ما يثير القلق حول التجربة الكوردستانية، وفي هذه المرحلة بالذات
هو ان التاريخ يسجل بعض الالتباسات التي لربما تتكرر في الاحداث الكوردستانية، ولعل ابرزها هو التدخلات الخارجية" الدول المجاورة – الاخرون_" ، التي تجد لها بعض البيئات المناسبة والمتمثلة ببعض الافكار النابعة من الصراعات القديمة والتي تسعى لتصفية حساباتها القبلية تجاه التيارات الاخرى، وهذا بلاشك موجود في اغلب دول العالم ايضاً لكنها ربما تظهر بصور واساليب مغايرة، وما يحدث الان في كوردستان بلاشك حسب وجهة نظري الشخصية نابع من هذه التصورات الخلافية القائمة بين بعض التيارات السياسية الكوردستانية والتي تميل بعضها لاجندات خارجية اثرت عليها وعلى سياساتها الداخلية تجاه بعض المواقف التي تلبس في ظاهرها رداءً قانونياً دستورياً لكنها في مضامينها تمثل اشكاليات هذه التيارات تجاه وجود الاخر، وبلاشك بتوجيه خارجي يريد ان يعمق ويثبت قدميه اكثر في المنطقة بالاخص في كوردستان التي اصبحت كعبة اقتصادية بالنسبة للكثير من الدول المجاورة والعالمية لانها باختصار وكما يقولون تقع على بحر من النفط.
اذا فالالتباسات التي تتكرر تتخذ من رموز حركية سياسية وتحاول ان تعيق المسيرة الديمقراطية في كوردستان، وهي لاتظهر الا عندما يصل الكورد الى مرحلة متقدمة من القوة والعالمية وتصبح القضية الكوردية احدى القضايا المطروحة على طاولة المحادثات في الجمعيات الاممية وتظهر اصوات تطالب باعطاء الكورد حق الدولة وحق الحكم وحق السيادة، لاسيما ان اغلب الدول العالمية الكبيرة متفقة على ان الكورد هم الانسب والاقوى والاكثر فعالية في مواجهة احدى اهم ويلات ومصائب القرن الحادي عشر ( الدولة الاسلامية في الشام والعراق" داعش" ), وذلك من خلال قوات البيشمركة الذين استطاعوا وبالتنسيق مع طيران التحالف ان يضعوا حداً لاجتياحات الداعشية للمناطق سواء في كوردستان الجنوبية او كوردستان الغربية وساهموا بشكل فعال من تثبيط همة داعش في المناطق الاخرى القريبة من حدودهم.
اذا لايشك احد بأن الكورد وقضيتهم في هذه المرحلة وصلوا الى مستوى عالمي بشكل اكثر نضوجية واكثر قوة واكثر حضور واكثر تأييد، وهذا ما اقلق دول الجيران" الاخرون" المتمسكين بحقدهم الازلي ومعاداتهم للكورد تاريخياً قولاً وفعلاً، فبحثوا عن بعض التيارات السياسية لتثير مسائل وقضايا داخلية لااظنها ضرورة ملحة في المسيرة الديمقراطية في هذه الاثناء وفي هذه المرحلة الحساسة بالذات، وحين تجد الدول هذه موطئ قدم اخر لها فانها بلاشك لن تزرع الا الفوضى والقلاقل بين الاوساط السياسية والمثقفة والشرائح العامة مما يخلق نوعاً من الانقسام الداخلي وبالتالي تعيق المسيرة، ولكن بلاشك لن تنهيها ولن تسقطها ولن تمحوها لان التجربة ليست اشخاص وليست مجرد تيارات واحزاب سياسية انما هي تأصيل لفكر قومي كوردي نابع الايمان بان الوقت قد حان للحصول على مكتسبات جديدة ومتقدمة لمواصلة الطريق نحو دولة ستأتي بلاشك.
وسوم: 638