حليلي معاك
تأسرتني كلمة يا (حليل) ، رقة ولطافة الكلمة حفزتني لإستقصاء إستخداماتها في لغتنا الدارجية: أول أستخدامات يا (حليل) بشقيها المؤنث و المذكر هي إستخدامها في وصف عِظم الشوق بسبب الفراق الأبدي وذلك عند النواح والبكاء على الميت فنقول: يا حليل أبونا .. ياحليلو ضُلالتنا .. ويا حليلو ساسنا وراسنا .. وغيره وفي فقد الأم نقول: يا حليلا أمنا الحنونة .. يا حليل لمتنا .. ويا حليل محنّتنا …... وعند فقد الزوج تندبه الزوجة بمثل القول: يا حليلو جمل الشيل .. يا حليل البعدل الميل .. يا حليلو توب غطانا الليلة البرد جانا … إلى آخر (المندبة). كنت قد إختزنت في ذاكرتي مشهد من طفولتي حينما توفت إحدى جاراتنا وبعد أن حمل الرجال العنقريب وغادروا به، إندفعت النسوة خلفهم كعادتهن في مباراة الجنازة وقد تعالى الصراخ والنواح بينما إكتفت إبنة المرحومة بالوقوف خلف الجموع وقد (تحزّمت) ورفعت يدها تودع النعش بكلمة واحدة ظلت ترددها بصوت يمزق القلوب: ياآآآحلييييلا .. ياآآآحليييلا .. ولا أبالغ إن قلت أن صدى تلك الكلمة ما زال يتردد في دواخلي ويثير إحساسي بالشجن والحزن خاصة بعد أن خبرت الإكتواء بنار فقد الأم. وفي مرة حكت لي صديقة عن شدة الكرب والحزن الذي عاشوه عند وفاة شاب من أقاربها وهو في تمام عافيته وعنفوانه وقد كانوا يتوقعون وفاة أمه المسنة المريضة، (إنشده) الجميع من هول الصدمة ولم يولوا العجوز اي إنتباه لظنهم بعدم إدراكها لما يحدث حولها .. أخبرتني صديقتي عن دهشتها عندما إقتربت من فراش الحبوبة الذي (تكرفست) في وسطه لتجد نهرين من الدموع تنسابان من عينيها وهي تتمتم باكية: يا حليل البخت الراس .. ويرجع بالناس!! سبحان الله فقد كانت تعي ما حدث وتبكي إبنها الذي إدخرته ليوم وفاتها حتى يقوم بوضع رأسها على القبر (يوسدها الطوبة) ثم يعود مع جموع الناس ليتلقى فيها العزاء. كما تستخدم الكلمة للتنبيه الغافل لغفلته فنقول في المثل: (يا حليلك يا النايم علي حيلك) وتستخدم ايضا عند تذكر الغايب في السفر فنقول: حليلو هو محل ما ختا راسو. أما ألطف إستخداماتها فهي عند التعبير بها عن الشوق الشديد والجزع من فراق الأحباء بسبب الغياب والسفر ولعل اشهر أستخداماتها في الشعر هي رائعة حمد الريح (الى مسافرة) التي ظلت زادا للمحبين في أوقات الفُرقة وحرقة القلوب بالسفر: يا حليلو قال سايب البلد .. ياحليلو كيفن نسيبو يروح بعيد .. في رحلة مجهولة الأمد .. يا حليلو. كما تغنى بها مجدوب أونسة ليتذكر أيام الصفاء والوصال: حليل أيامنا اللذاذ .. طريت المطر الرزاز ونحنا هناك يا العزاز بنطلع فوق الحراز الريد .. الريد يا أهل .. متين لدياركم نصل وعبر بها إبراهيم حسين عن يأسه عندما عز المنال في رائعته (رحلتو بعيد نسيتو): مع ساعة الغروب .. مشيت أسأل عليكم حليلكم يا أحبة .. حليل آمالنا فيكم ونختم مع ترباس ونقول: الريد يجمع ويفرق .. بحر يروي ويغرق يا الخليتنا قمتا مشرق .. ياآآآ حليلك .. حليلي معاك.
وسوم: العدد 652