النيل من علماء الدين مؤشر على استهداف الدين

المعروف في ثقافتنا الإسلامية توقير علماء الدين لأنهم في القرآن الكريم أصحاب الدرجة الرفيعة مصداقا لقوله تعالى : (( يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات )) ، ولأنهم في السنة النبوية الشريفة ورثة الأنبياء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العلماء ورثة الأنبياء " .  وهذا يعني أنهم ورثوا عنه العلم. وعندما يستهدف علماء الدين ،فإنهم إنما يستهدفون لوراثتهم العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .  ولا شك أن ظاهرة نيل العامة  والسوقة والرعاع من علماء الدين طارئة على المجتمعات الإسلامية والعربية  بسبب تأثيرات التيارات العلمانية اللادينية الوافدة على هذه المجتمعات عن طريق من يمكن تسميتهم بالجراثيم الناقلة لمكروب التجاسر على الدين . ومن المؤكد أيضا أن الصراعات السياسية والحزبية قد لعبت دورا في استهداف علماء الدين لأنهم  بالنسبة للسياسيين والحزبيين مصدر قلق ما داموا يدعون الناس إلى القيم الإسلامية،  علما بأن السياسة  والحزبية إنما تشتغل في الغالب خارج هذه القيم . وقد يكون استهداف علماء الدين أيضا من طرف مغرضين  يقف الدين في وجه أطماعهم المادية . ومن المعلوم أن عالما  واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد، لأن العابد إنما يخوض حربه ضد الشيطان وحده ومن أجل نفسه، بينما العالم يخوض الحرب ضده من أجل الناس كافة .  ويأخذ استهداف علماء الدين أشكالا مختلفة قد تبدأ بالتشكيك في علمهم أو في صدقهم وقد تتعدى ذلك إلى محاولة الطعن في مواقفهم  بل واتهامهم بطلب عرض الدنيا الزائل  عن طريق استغلال الدين . ولا يسلم علماء الدين من إذاية   كيفما كانت وضعياتهم الاجتماعية ، فإن عاشروا الموسرين اتهموا بالطمع ، وإن عاشروا الفقراء سخر من فقرهم  ودروشتهم ، وإن عاشروا الحكام اتهموا بالتملق  والنفاق، وإن خالفوهم اتهموا بالخيانة والإجرام . والحقيقة أننا حينما نتعمق في التهم التي يرمى بها رجال الدين  نجدها في الحقيقة تعبيرا عن رفض قيم الدين ، وهو رفض لا يكون بشكل صريح بل يكون بشكل ملتو للتمويه على حقيقة رفض الدين . ولقد سجل التاريخ نماذج من إذاية علماء الدين سواء تعلق الأمر بمحن امتحانهم من طرف الحكام  أو  تعلق الأمر باعتداء العامة عليهم بشتى أشكال الاعتداء بما في ذلك الاعتداء الجسدي  أو التصفية الجسدية. وقد يقول قائل هل كل علماء الدين على هدى من الله ؟ والجواب  أن  علم أحوالهم عند الله عز وجل، ذلك أن الناس يحكمون على الظاهر والله عز وجل يتولى السرائر . ومما يجر الإذاية  على علماء الدين أن الاختلاف فيما بينهم وهو اختلاف علم  يتلقفه العوام  والسوقة والرعاع  عن  جهل وسوء فهم منهم،  ويحشرون أنوفهم فيه، ويجعلون أنفسهم  في مرتبة العلماء فتصدر عنهم العداوات ضد  بعض أهل العلم انتصارا لبعضهم ، ومن ثم يؤذونهم  بالقول و بالفعل . ولقد  سجل التاريخ الإسلامي  سجالات علماء الدين فيما بينهم دون أن يصدر عنهم ما يوحي بإضمار العداوة لبعضهم البعض ، ودون أن يتبادلوا الشتائم والسباب فيما بينهم ،بينما نجد العوام والسوقة والرعاع  يطلقون ألسنة السوء في بعض العلماء بدعوى الانتصار  لغيرهم، وذلك دون إرادة هؤلاء . ولقد صار علماء الدين في زماننا هذا أكثر استهدافا خصوصا بعد أن ظهرت الجماعات التكفيرية  الممارسة للعنف باسم الدين ، وصار الناس ينسبون أعمال هذه الجماعات  لعلماء الدين زورا وبهتانا ، و ظلما وعدوانا من أجل إسكاتهم عن  دعوة الناس إلى  القيم الإسلامية التي تحرر الإنسان من عبادة العباد ، وتجعل معبوده الله عز وجل .  وفي خضم استهداف  علماء الدين  بسبب شيوع العنف والإرهاب الذي سببه تغييب علماء الدين  من الساحة تنشط الفئات  المارقة من الدين  للنيل منهم ، وتركب مقولة  الذين يحملونهم مسؤولية انتشار الإرهاب والعنف  ، وذلك من أجل  إسكاتهم  واستئصالهم  ليخلو الجو للحياة الخالية من القيم الدينية ، وهي حياة تفسخ وانحلال وظلم وظلمات  فوقها بعض فوق .     

وسوم: العدد 657