ضرورة مراجعة الإجراءات التأديبية الخاصة بالمتعلمين نظرا لحالة التسيب التي تعرفها المؤسسات التعليمية

ساهمت المذكرة الوزارية الصادرة بتاريخ 17/03/2014 والمتعلقة بالإجراءات التأديبية الخاصة بالتلاميذ غير المنضبطين في تكريس التسيب بالمؤسسات التعليمية . فما إن علم المتعلمون بتراخي هذه المذكرة في التعاطي مع سلوكاتهم غير المنضبطة حتى أطلقوا العنان لشغبهم وأمعنوا في ارتكاب المخالفات المختلفة وبشكل يومي والتي قد تبلغ حد الاعتداء على المدرسين وعلى بعضهم البعض معنويا وماديا . ولقد شلت هذه المذكرة عملية تأديب المتعلمين . ومعلوم أن الإجراءات التأديبية  قبل صدور هذه المذكرة كانت رادعا للمتعلمين غير المنضبطين خصوصا عندما يمنعون من مزاولة الدراسة لمدد زمنية معينة  أو عندما يفصلون حسب نوع المخالفات التي يرتكبونها حيث كان هؤلاء التلاميذ يخشون العقوبات المقترحة من طرف مجالس الأقسام  ويحسبون لها حسابا. ولما عطلت مذكرة 2014 عقوبة الحرمان من الدراسة أو الفصل النهائي منها، واقتصرت على ما سمته  تقديم خدمات من قبيل البستنة أو تنظيف المرافق ، أو المساهمة بما يعود بالنفع على المؤسسات التربوية  باعتبار هذه الإجراءات عقوبات وما هي بعقوبات  ازدادت وتيرة الشغب والفوضى في المؤسسات التربوية. ولقد احتار رؤساء المؤسسات التربوية  ورجال الإدارة ،وأعضاء مجالس الأقسام في تنزيل هذه الإجراءات التي سمتها المذكرة الوزارية إجراءات تأديبية ،خصوصا حين اشترطت في تنزيلها مراعاة كرامة المتعلم وعدم تعريضه للمخاطر . ولقد استثنى العديد من رؤساء المؤسسات دورات المياه من المرافق التي  يمكن أن يكلف التلاميذ غير المنضبطين بتنظيفها لأن ذلك يتعارض مع شرط مراعاة كرامة هؤلاء التلاميذ . ويتذرع التلاميذ المرتكبون لمخالفات بشرط مراعاة الكرامة لرفض الخضوع للإجراءات التأديبية حتى لو  تعلق الأمر بتنظيف الساحات أو الملاعب الرياضية ، الشيء الذي يجعل مجالس الأقسام تحتار في كيفية معالجة قضية رفض خضوع هؤلاء التلاميذ لما يقترح في حقهم من إجراءات تأديبية  تتعلق بالتنظيف . والنتيجة أن مذكرة السابع عشر من أكتوبر 2014 ساهمت في تسيب الأوضاع بالمؤسسات التربوية ، وكرست عدم الانضباط، الشيء الذي ينعكس سلبا على التحصيل . وإذا كانت الوزارة قد عطلت عقوبة التوقيف عن الدراسة أو الفصل منها حرصا على المستوى التعليمي  كما ادعت ،فإنها  في واقع الأمر قد ساهمت فعليا في تدني هذا المستوى حيث صار المدرسون يشتغلون يوميا  في أجواء مشحونة، ويصرفون وقتا ثمينا من زمن التعلم في محاولة ضبط المتعلمين غير المنضبطين. ونظرا للتسيب الذي خلقته هذه المذكرة ،فإن المتعلمين أصبحوا يمتنعون عن إحضار اللوازم المدرسية ، وعن القيام بالواجبات المنزلية ، كما أنهم يتعمدون الغش العلني في الفروض الكتابية المحروسة ، ويحتجون على المدرسين بسبب نقطهم المتدنية بل يمارسون العنف ضدهم المعنوي بالشتائم والمادي بالاعتداء عليهم بدنيا . ويقف رؤساء المؤسسات عاجزين عن حماية المدرسين من اعتداءات التلاميذ غير المنضبطين . ويعاني الإداريون خصوصا الحراس العامون  يوميا الويلات مع التلاميذ غير المنضبطين بسبب ظاهرة التأخر والغياب  التي بلغت نسبا غير مسبوقة حيث يثور المتعلمون في وجوههم  حين يطالبونهم بتبرير غيابهم أو تأخرهم ، ويرفضون إحضار أولياء أمورهم الذين أصبحوا لا يستجيبون للرسائل الموجهة إليهم في شأن مخالفات أبنائهم وبناتهم . وإن إفراغ الإجراءات التأديبية الخاصة بالمتعلمين  من دلالتها  يعتبر  إجهازا على مشروع إصلاح المنظومة التربوية ومشروع تحقيق  جودة التعليم . ولا يمكن أن تطلق كلمة تأديب على إجراءات لا تمت بصلة  للعقاب ،ذلك أن تنظيف المرافقة أو البستنة أو أي عمل  من هذا القبيل لا يأخذ صبغة العقاب . ولا يمكن  إلغاء العقاب من الحياة المدرسية لأنها جزء من الحياة العامة . فالمتعلم الذي لا يعاقب داخل المؤسسة التربوية إذا ما مارس العنف ضد زملائه أو ضد أساتذته لا ينجو من العقاب إذا ارتكب نفس الفعل  خارج هذه المؤسسة بل يتابع قانونيا ، ولهذا لا يعقل أن تخضع نفس المخالفات لإجراءين  مختلفين داخل وخارج المؤسسة التربوية , ولقد حان الوقت لتراجع الوزارة الوصية  المذكرة التي كرست التسيب في المؤسسات التربوية بشكل غير مسبوق، وذلك من خلال إعادة الإجراءات التأديبية الرادعة بما فيها الحرمان من الدراسة  والفصل منها وإلا ستكون العواقب وخيمة . وإن الجيل الذي سيتخرج من مؤسسات لا تعاقبه حين يرتكب مخالفات سيكون وبالا على الوطن ، وسيمارس الإجرام لأنه تعود على عدم المتابعة والمحاسبة . ويكفي أن يسخر المتعلمون المرتكبون للمخالفات بما سمته الوزارة أعمال تعود على المؤسسات بالنفع للدلالة على  فقدان المذكرة الوزارية للمصداقية .

وسوم: العدد 661