قانون التجنيد الإلزامي العراقي في الميزان

حمد جاسم محمد الخزرجي

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية 

خدمة العلم أو الخدمة العسكرية أو التجنيد الإجباري هي فرض وواجب وطني ومعمول به في معظم دول العالم الصغيرة والكبيرة، القوية والضعيفة، كل حسب متطلبات وضعه، والعراق شأنه شأن دول العالم التي وضعت نظام خدمة العلم، وسن قانون الخدمة الإلزامية لمن بلغ سن الثامنة عشر، وتتفاوت مدة الخدمة من دولة الى أخرى، واليوم سنبحث في أغوار قانون الخدمة الإلزامية الجديد في العراق.

اعلنت وزارة الدفاع العراقية عن الضوابط الخاصة بقانون خدمة التجنيد الإلزامية “قانون خدمة العلم” الذي تم إقراره بالإجماع من قبل مجلس الدفاع، وان قانون خدمة التجنيد الإلزامية سيشمل الفئات العمرية من سن 19 الى 45 عاما. كما ان “القانون سيعتمد التحصيل الدراسي في مدة الخدمة”، اذ ان “خريجي الدراسة الابتدائية سيخدمون لمدة عام و4 اشهر، فيما سيخدم خريجو المرحلة الاعدادية لمدة عام واحد، وخريجو درجة البكالوريوس 9 اشهر فقط”، وان “خريجي درجة الماجستير والدكتوراه سيعفون من الخدمة نهائيا”، وهذا القانون يضم 75 مادة قانونية اعتمدت على الإرث القانوني من قانون التجنيد الالزامي السابق، علاوة على المادة التاسعة من الفقرة الثانية من الدستور العراقي”، وكانت وزارة الدفاع أعلنت في وقت سابق عن، ارسال قانون خدمة العلم الى مجلس شورى الدولة بعد اقراره بشكل بالاجماع في مجلس الدفاع، وقد وافق مجلس الوزراء على مسودة قانون التجنيد الالزامي، واتفاق غالبية اعضاء لجنة الدفاع البرلمانية على مسودة القانون، وان اللجنة قد اتخذت خطوات مهمة بشأن صياغة مسودة مشروع قانون الخدمة الالزامية، وكان نظام الخدمة الالزامية متبعاً بالعراق قبل 2003، إلا أنه الغي بعد الغزو الأميركي وحل الجيش بأمر الحاكم المدني، بول بريمر، حيث يتبع العراق حالياً نظام الخدمة التطوعية.

 بالبداية يجب أن نعلم أن مسودة القانون تم إقرارها بالإجماع من قبل مجلس الدفاع ورفعها لرئيس الوزراء (حيدر العبادي) الذي بدوره وافق على رفعها للجنة البرلمانية المختصة بالأمر التي تدرسه لرفعه لرئاسة البرلمان وفي حال طرحه والتصويت عليه يعد القانون نافذ ويجب تطبيقه، ولعل أبرز أسباب التي دفعت بهذا القانون للمقدمة الآن هو حاجة العراق لمقاتلين في مواجهة تنظيم “داعش” إضافة لخلق ما يسمى التوازن بالمؤسسة العسكرية ويقصد بها إعادة المكون السني للمؤسسة العسكرية، ولكن الأمر لم يتطرق للقيادات العسكرية من ضباط ومراتب التي لا دخل لقانون التجنيد الإلزامي بخلق التوازن على هذا المستوى إضافة لأزمة الثقة بين المكونات من موضوع الطبقية التي ستحدث بين مكونات الجيش العراقي وهذا ما يجعلنا نتخوف من تطبيق قانون يطبق على فئة معينة من الشعب دون الفئات الأخرى.

لقد أثار قانون الخدمة العسكرية الإلزامية جدلاً كبيراً بين مؤيد ومعارض، فمنهم من يرى فيه أهمية من تذويب الاصطفاف الطائفي والقومي، وآخرون يعتقدون أنه سيعيد مآسي الأنظمة السابقة التي أفرزت سلبيات استمرت عقودا ومازال المجتمع العراقي يدفع ثمنها، وكل طرف له مبرراته لقبوله او رفضه، ومن المبررات التي طرحها المؤيدون لهذا القانون هي:

1- سوف سيزيل الفوارق الاجتماعية والعرقية والدينية، والقضاء على الانقسامات الطائفية ويعجل من البناء المجتمعي، اذ ان تطبيق التجنيد الإلزامي من شأنه أن يزيد شعور المواطن بولائه للوطن، ولن يقصي او يهمش أي فئة، فابن الجنوب سيخدم مع ابن الشمال او الوسط وسيشتركون سوية في الدفاع عن الوطن بالإضافة إلى تقليل معدلات الجريمة بسبب ابتعاد شريحة من الشباب في خدمة بلدهم بالإضافة إلى حصولهم على مرتبات.

2- ملء الفراغ الدستوري حول قانون خدمة العلم، فقد نصت المادة (9- أولا: أ) (تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتمثيلها دون إقصاء أو تهميش....)، كما نصت المادة (9-ثانيا) أيضا على "تنظم خدمة العلم بقانون، فقد ألقى قرار حل الجيش العراقي بظلال سلبية على البلاد، وان القرار المكافئ لحل الجيش العراقي هو إعادة الخدمة الإلزامية وقانون (خدمة العلم)، لما يعالجه من إعادة التوازن الوطني.

3- هناك اتفاق شبه تام بين الكتل السياسية التي تمثل العرب السنة والشيعة على إعادة التجنيد الإلزامي لأنه القانون الوحيد القادر على إنهاء المظاهر المسلحة في البلاد، وانه سوف يقضي على التشكيلات المسلحة خارج سيطرة الدولة.

4- ان قانون خدمة العلم يؤهل الشباب وله مغزى اقتصادي من خلال امتصاصه لزخم البطالة، ويعمل على زيادة التأهيـل المؤسساتـي من خلال توفير ملاكـات بشريـة مؤهلـة للدفاع عن العـراق علاوة على توفيـر الملاكات الاحتياطية التي سوف تنظـم الـى الجيـش العراقي مما ستسهم في بنـاء الجيـش النوعـي المحترم المدرب، وأنه تهيئ شباب قوي يمكن الاستفادة منهم في أوقات الطوارئ او العدوان المفاجئ على البلاد، وانه "سينهي خوف البعض من عدم وجود مساواة بين المكونات في المؤسسة العسكرية".

5- إعادة التجنيد الإلزامي كحل بديل عن قانون الحرس الوطني بعد الخلافات التي تواجه هذا القانون، إذ إن الخلافات السياسية حول قانون الحرس الوطني هي التي دفعت الى اصدار القانون وستدفع إلى تبني قانون بديل عنه ينظم الخدمة الإلزامية.

قد تكون الآراء المدافعة عن القانون تسوق بعض وجهات النظر التي يمكن أن تبرر إصدار القانون، ولكن هناك أراء التي تعارض هذا القانون فهي الأخرى تقدم من المبررات الكثير، وترى إن إصدار هكذا قانون وإعادة العمل به لم يعد نافعا ولعدة أسباب منها:

1- بالنسبة لتنظيم موضوع التجنيد يمكن للشعب ممثلا في مجالسه التشريعية ان يجعل التجنيد وظيفة احترافية بأجر، ولها معاهدها المتخصصة، وتكون مفتوحة للجميع وفق تكافؤ الفرص، هنا يكون التشريع اسلاميا، أما أن يسنّ بعضهم قانونا يلزم التجنيد على الأفراد جميعا ـ فهذا ينافى تشريع الاسلام الذى لا إلزام فيه للمواطنين الأحرار إلا بالعدل والقسط، وليس من العدل أن تجبر إنسانا بريئا على فعل شيء لا يرضاه، كما لا يجوز صياغة قانون يوجب دفع فدية على من لا يريد التجنيد، فهذا يعنى ملكية الدولة للفرد، إذ توجب عليه التجنيد أو أن يدفع مقابلا يحرر به من نفسه من قيد التجنيد، الدولة هي صناعة بشرية وأداة لخدمة الفرد والشعب، وليست للتحكم في الفرد والشعب، وبالتالي ليس من حق أي جهة أن تلزم الفرد بالتجنيد أو بدفع فدية أو بدلا نقديا عن التجنيد.

2- ان التجنيد الإلزامي يعني عودة عسكرة المجتمع وإعادة الوضع الأليم الذي عاشه العراقيون خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، وأنه يؤدي الى تعطيل العقول الشابة بأمور بعيدة عن الإبداع والتقدم، إذ تجعل الشباب يكرس همه إلى خدمته الإلزامية، دون التفكير بأمور أخرى تفيد المجتمع.

3- وجود عدد من التشكيلات العسكرية خارج نطاق الجيش العراقي: حيث يضم العراق اليوم على عدد من التشكيلات العسكرية التي تحمل السلاح وغير تابعة للجيش العراقي مثل الحشد الشعبي بتشكيلاته المختلفة والبيشمركة الكردية إضافة لمقاتلين العشائر السنية الذين يقاتلون في والانبار والموصل ضد داعش، إذ هناك عدد كافي من المقاتلين المرابطين على جبهات القتال، كذلك ما هو موقف القانون من عناصر هذه التشكيلات؟ هل يتم دمجها مع الجيش الجديد أم يتم حلها؟.

4- قانون الحرس الوطني الذي يضمن بشكل واضح وصريح النسب السكانية للمحافظات لتمثل في القوة العسكرية وبذلك يعتبر هو الأقدر على ما يسمى إعادة التوازن للمؤسسة العسكرية، خاصة وانه سوف يضم أفرادا من المحافظات بالعدد الكافي لحماية المحافظة.

5- إن إقرار قانون التجنيد الإلزامي سوف يفتح الباب للمجموعات المسلحة بان تقوم هي الأخرى بفرض التجنيد الإجباري على المناطق الخاضعة لسيطرتها، فتحدث محرقة وقودها الجنود المكلفين بالقهر والجبر من قبل الطرفين.

6- يجب ان تتم مناقشة الأمر اقتصاديا على المدى القريب والبعيد وتأثيره على ميزانية العراق المنهكة أيضا، لان الوضع المالي للعراق حاليا لا يمكن ان يجند هذا العدد من الجنود وتوفير مرتبات تكفي لمعيشة عوائلهم، وتوفي السلاح اللازم لهم، إذ يخشى البعض من إن السير بالتجنيد الإلزامي بدون توفر الأموال الكافية سيعود بنا إلى أيام النظام البائد حيث كان اغلب الجنود لا يملكون أجرة السيارة التي تقلهم إلى وحداتهم أو عودتهم لمنازلهم بكرامة، فلا يزال الفساد متفشيا في مرافق الدولة، ولا يمكن تنزيه وتزكية مؤسسة معينة من ذلك كليا. ومن الظلم لجيل الشباب أن يكلف بخدمة إلزامية قبل اجتثاث الفساد بحزم شديد.

7- سيكون من المستحيل تطبيق الخدمة على كافة المواطنين في البلاد، خاصة وان إقليم كردستان يملك قوات عسكرية نظامية كاملة العدة والعدد، وهو سوف لن يسمح للسلطة الاتحادية ان تتحكم بهذه القوات، كما إن اغلب المناطق الغربية خاضعة لتنظيم داعش الإرهابي، وهي الأخرى غير مستعدة للخضوع إلى قوانين السلطة الاتحادية لان اغلبها مهجر ويأمل للعودة لبيوتهم وأعمارها لتوفير العيش الكريم لعوائلهم، وبهذا فان نسبة الاستجابة ستكون محدودة جدا، وقد تتخذ الحكومة إجراءات عقابية قاسية وظالمة لفرض الخدمة، عندها سيجري التهرب بطريقة فردية أو شاملة بحجج مختلفة، وفي هذا ظلم للآخرين.

8- العراق لا يعاني نقصا في عدد الجنود، بل يعاني خللا في النظام. وعندما بدأت الحرب مع إيران كان لدى العراق فقط 12 فرقة، وبضع عشرات آلاف من شرطة وحرس حدود، أما الآن فيوجد أكثر من مليون فرد مسلح.

9- زيادة الانقسام بين إفراد المجتمع بدلا من تماسكه، لان فرض الخدمة بالقوة وإصدار تشريعات قد تعفي البعض بحجج واهية، مثل أبناء المسؤولين أو دفع البدل، هذا ما يسبب غضب شعبي آخر يضاف إلى غضب الشارع من سوء الإدارة وانتشار الفساد المالي والإداري في العراق.

إن الشعب يقف أمام قانون التجنيد الإلزامي موقف الخائف المتربص من الخطوة غير المحسوبة التي قد تدفع بشباب العراق للتجربة السورية التي دفعت بالشاب السوري للنزوح والعمل في ظروف قاسية وصعبة فقط للهروب من خدمة العلم "التجنيد الإلزامي" ومطحنة الموت التي لم تعد مقتصرة على الداخل السوري أو العراقي وإنما حروب وكالة بخوضها شباب البلدين لصالح قوة إقليمية ودولية، والمطلوب هو جيش متطوعين محترفين، وليس جيش مكلفين، ويجب تقديم قانون تشريعي وأن يتم إيقاف موضوع التجنيد الإجباري القائم في العراق تحت مسمى التجنيد والخدمة العسكرية، وأن يتحول الجيش العراقي الى جيش محترف من ضباط وجنود بالتطوع الحقيقي بأجر ومميزات تتناسب مع تضحيات المكلفين بحماية الوطن والشعب، وأن يتم التعامل بين الجندي والضابط وبين رتب الضباط المختلفة على أساس الاحترام وكرامة الانسان، وليس بتحكم الأعلى رتبة لمن هو دونه، وخنوعه لمن هو أكبر منه، لم يعد هذا يليق، ولا ينتصر جيش يعيش أفراده بين التجبر والتكبر وبين الخضوع والخنوع.

وسوم: العدد 663