حماس وانتخابات البلديات... المحاذير والدواعي
سّرني كمراقب فلسطيني ومهتم بالشأن الفلسطيني قرار حركة حماس الداعي عناصرها , وتحديدا في الضفة الغربية المشاركة في الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها بداية اكتوبر القادم ، وطلبها من مؤيديها تجديد سجلهم الإنتخابي والاعداد والاستعداد للمشاركة في الانتخابات البلدية والمجالس المحلية والقروية .
سبق القرار الرسمي الصادر عن الحركة حراكا على مواقع التواصل الإجتماعي يشير بشكل واضح على نية جزء من مؤيدي الحركة خوض الانتخابات بقوائم مهنية , الأمر الذي مهّد لهذا القرار المهم والجرئ والمسؤول في ذات الوقت .
وعن أسباب هذه القرار وأهميته ومحاذيره التي يتحدث عنها بعض أبناء حركة حماس سأحاول أن أصف المشهد الفلسطيني في ظل هذا القرار الذي سيؤسس لمرحلة جديدة عنوانها العريض (التعامل مع الواقع ضمن المعطيات الحالية ).
يعلم الجميع أن حركة حماس شبه مشلولة بالضفة الغربية ، وبعد الإنقسام الذي حدث عام 2007 لم يعد للحركة أي مؤسسة قائمة, بالإضافة لتغير أغلب رؤساء البلديات التي كانت تديرها حماس كبلدية قلقيلية مثلا ، وغيرها من المجالس, وأن حماس أصلا التي فازت بجزء كبير من هذه المجالس لم تتمكن من العمل بشكل سلس ساعة واحدة بسبب الاحتلال الذي قام باعتقال أغلب رؤساء المجالس البلدية المدارة من قبل حماس والتضيق الذي حدث بعد الانقسام .
لذلك نجد من يحذر اليوم (من حماس ) وبعد هذا القرار الداعي للمشاركة في الترشح والانتخاب خوفا من الاعتقالات والملاحقات وعدم التسليم بالنتائج حال فوز حماس في الانتخابات قائلا بأن (السجون تنتظركم ) ولهؤلاء يمكن القول أن حماس التي تشارك في انتخابات الجامعات الفلسطينية بشبابها وتنافس للفوز بمجالس الطلبة فيعتقل جزء كبير من طلابها أحرى أن يشارك قيادتها ورموزها بالانتخابات المحلية التي يجب أن تكون ذات طابع خدماتي بالأصل .
ومن المحاذير التي يخشاها مؤيدي حماس, الملاحقات الأمنية من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية والتضييق عليهم ، وهذا أمر وارد, ولكن أيضا الملاحقة مستمرة ولم تتوقف وإن كانت وتيرتها قد خفت في الآونة الأخيرة ويمكن التغلب عليها من خلال الاندماج بقوائم مهنية خالصة ، والعمل بشكل جاد على أن تكون انتخابات مهنية خالصة بدون تدخلات حزبية وإن صبغت باللون التنظيمي .
من الصعوبات التي ستواجه المرشحين (المناطقية والجغرافيا) بمعنى سيكون هناك صعوبات كبيرة وليس من السهل على المقربين من حماس تشكيل قوائم بالقرى الصغيرة لما لهذه المناطق من وضع أمني معقد وسيطرة أمنية كاملة ، بالإضافة للبعد العائلي والعشائري الذي يسيطر على هذه المناطق ، وقد يخشى جزء كبير من الناس إشراك شباب من حماس في قوائمهم خوفا من الصبغة التي ستصبغ بها القائمة .
قال لي أحدهم أن شخص واحد (محسوب) على حماس ضمن قائمة تضم 11 عضو لا ينتمي أحد منهم لحماس غيره, وجميعهم من تنظيمات مختلفة كفيل أن يصبغ هذه القائمة بصبغة حماس التي قد يخشى البعض من هذه (التهمة ) خوفا على وضعه الأمني تارة ومصالحة تارة أخرى ، وهذا واقع يفهمه من يعيش بالضفة الغربية .
كثيرة هي المحاذير التي يمكن أن نتصورها حول هذه المشاركة الهامة والضرورية ولكن المشاركة وأهميتها أهم بكثير من تداعيات عدم المشاركة والتي تتمثل أهميتها بالتالي :-
خسرت حماس الكثير من الأمور في ظل غيابها عن المشهد اليومي في الخدمات العامة المقدمة لأبناء الشعب الفلسطيني ، فحماس حركة اجتماعية قبل أن تكون سياسية ومقاومة ، وحماس من خلال من قدمت سابقا من خدمات اجتماعية كــ لجان الزكاة والمؤسسات الصحية وغيرها الخدماتية استطاعت أن تكسب حب وتآلف الكثير من الناس ، وتمكنت من توسيع قاعدتها الجماهيرية .
هناك مطالبات شعبية صادقة وحقيقية لحماس أن تشارك في هذه الانتخابات لأن (الآخر) لم يتمكن من إرضاء الشارع بعد أن سيطر على المجالس البلدية ، فباتت المطالبات بعودتهم حديث المواطن الذي (ظلم ) أو يشعر بأنه ظلم وهذا كنا نستمع له بالشارع .
انتخابات بلدية نابلس الأخيرة كانت خير شاهد على ذلك ، ففي الوقت الذي رشح نفسه المحامي غسان الشكعة للانتخابات البلدية قبل ثلاثة سنوات ، ولم تكن حركة فتح قدمت مرشحا قويا ، كان الكل يطالب (الحج عدلي يعيش) بالترشح وهو رئيس البلدية السابق الذي كان مدعوما ومحسوبا على حركة حماس ، وقد استمعت لأحد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذي قال لي نحاول ليل نهار اقناع الحج عدلي بالمشاركة لأنه الوحيد الذي يمكن أن يحقق الانتصار .
واليوم وبعد أن أسقط الشكعة المنتخب الكل كان يطالب الحاج (عدلي ) خوض هذه الانتخابات وتشكيل قائمة مهنية للنهوض بمدينة نابلس كبرى مدن الضفة الغربية ، ولا يعقل أن يدير الرجل ظهره لمطالب أبناء مدينته لذلك سمعنا أن الرجل يريد أن يخوض هذه الانتخابات (قبل أن تصدر حماس قرارها بالمشاركة ) وهذا استجابة لمطالب الشعب .
أثبتت التجربة الإقليمية أن المشاركة أصل والمقاطعة دمار على الحركات الإسلامية ، فالأردن على سبيل المثال في الوقت الذي كانت ( جماعة الاخوان) تشارك في الانتخابات ولا تقاطع كانت توجه جام جهدها لإنجاح مشاريعها الخدماتيه وما قدمته من عود للناخب ، وفي الوقت الذي كانت تقاطع كانت تكثر لديها المشاكل الداخلية والانقسامات ، والمتابع للمشهد الأردني يفهم ما أقول ، وليست الضفة الغربية بعيدة عن السيناريو الذي أتحدث عنه .
نحن نعيش في عالم الذي يبتعد فيه عن المشهد (ينسى) وتطوي صفحته الأيام حتى لو كان صاحب تاريخ فالذاكرة (طويلة الأمد) أصيبت بالزهايمر وقلة قليلة من يذكرون ما قدمته سابقا ، و (الناس) يهمها ويشغلها الحاضر ، دون محاولات اجترار الماضي وهذا واقع يجب أن لا يغفل عنه من يظن أن تاريخه يبقيه على قيد الحياة .
كل ما أستطيع أن أنصح به المرشحين, العمل بطرق مهنية وتفويت الفرصة على جميع الأطراف لمسك مماسك على من قرر المشاركة سواء كان بالتواصل مع افراد بالخارج أو تلقي مال لذلك ، فكثير من يستطيع الفوز فقط على اسمه وحسن سيرته دون دعايات انتخابية كبيرة ومال وما شابه .
والأهم من ذلك أن تراعي حركة حماس خصوصية الضفة ، وأن لا تبدأ بفرز المرشحين بعضو ونصير ومقرب ، وفور صدور النتائج تبنبي الفائز ، والتبرير لمن لم يفز ، فقط كل ما هو عليها (من وجهة نظري) المباركة لهذه العرس الديموقراطي الذي ساهمت بمهنية ومسؤولية بإتمامه وإنجاحه
نحن نعيش بعالم متغير, نبات على انتخابات ونصحو على انقلابات والأمور تتغير بشكل غير متوقع وعالمنا العربي يعيش حالة متغيرة غير مستقرة تتحكم به أطراف خارجية ، ولكن مما لا شك فيه أن المشاركة الأصل والمقاطعة مهما كانت المبررات والأسباب دمار على أي تجمع سياسي .
بتقديري أن حركة فتح اليوم مطالبة أكثر من أي وقت آخر لمشاركة حماس والكل الفلسطيني بتشكيل هذه القوائم والتأسيس لعمل مشترك يؤدي خدمات جماهيريه يستفيد منها الشارع ، وعدم خوض هذه الانتخابات لوحدها ، الأمر الذي سيجعل من فوزها شيء مؤكد في ظل الحديث عن تنامي قوى أخرى منشقة عنها وتغلغلها في الشارع وهذا سيفوت الفرصة عليهم .
ختاما ... كفلسطيني (والله يشهد) يهمني أن تنجح هذه الانتخابات وأن تكون الأجواء قبل وبعد الإنتخابات إيجابية والقبول بالنتائج لا يقل أهمية عن إجراء الإنتخابات ، والله أسأل أن يلم شمل هذا الشعب الذي أعيته التصدعات الداخلية والهجمات الخارجية .
وسوم: العدد 678