الجميلة ومستحيلة....
تعتبر جامعة الخرطوم، (الجميلة ومستحيلة)، واحدة من أعرق الجامعات في القارة الإفريقية، ومن اعظم الواجهات الحضارية في العصر الحديث، ونبراس للعلوم والمعارف الطبيعية والثقافة الكونية الإنسانية، ومنهل سخي لثورة التغيير والتحرر من قيود الطغاة في الدولة السودانية، والتي اراد حزب المؤتمر الوطني بيهعا في أسواق الإستثمارات الإنقاذية، ضمن خطط الجشع المادي رميا الي إبادة الحضارة مع تبديل وتشويه شكل ومضمون التاريخ السوداني الممتد عبر العصور والأزمنة،
وللنظام الإسلاموي الحاكم خطة (جهنمية) هدفها الرئيسي يرتكز علي قفل مساحات الحريات التي يمكن أن تمد الثوار في الساحات العامة بثقافة ثورة وعي وإستنارة، وتنتج خطاب سياسي وفكري جديد يغذي ضمير الأمة السودانية بحب الوطن وضرورة التحرر ونيل السلام والديمقراطية وبناء منظومة قضاء عادلة تضع حقوق الإنسان بكل أنواعها من أول أولوياتها.
فما شاهده السودانيين والسودانيات خلال مظاهرات طلاب جامعة الخرطوم، من قمع وتنكيل لا حدود له ولا مثيل وبل اغتيالات واعتقالات ومحاكمات غير عادلة، لم يكن إلا لعلم النظام بوعي الحركة الطلابية، وخطر إنتشار هذا الوعي خاصة في ظل الإحتقان السياسي والشعبي المتصاعد علي مدار اليوم بتزايد الحركات الإحتجاجية ضد سياسات الحكومة المركزية القائمة، ولأنه نظام بوليسي فاسد أدمن السير علي خطوط الفشل، والجلوس علي رقاب المواطنيين بقوانين جائرة ومحاكم التفتيش السياسية التي لا عدل فيها إلا ما عدل فيه (الكرباج)، وما الحكم إلا بما أوحى به خيالهم الجنوني، عكفوا علي تعذيب الطلاب داخل سجونهم وجلد الساسة والمثقفين علي (مزاج) فرعونهم الذي طغى وتكبر في البلاد وأكثر فيها الظلم والفساد.
فالقرارات التي اصدرتها الحكومة بشأن فتح الجامعة بشروط مكبلة للحريات الفردية والعامة لطلاب الجامعة، ما هي إلا بدايات يكتنفها سوء النوايا المبيتة لتصفية المزيد من الطلاب والطالبات،
وقوائم الفصل التعسفي لم تبدأ بمداهمة مكتب الأستاذ نبيل أديب واعتقال الطلاب المفصولين جبرا (عز النهار)، ولم تنتهي بفصل الدكتور عصمت محمود نائب عميد كلية الأداب سابقا وأستاذ بقسم الفلسفة في جامعة الخرطوم، بسبب تغريدات نشرها علي صفحته مساندا بها طلابه في معركتهم التي خاضوها بكل شجاعة وشهامة ووطنية خالصة لحماية الجامعة من خطط البيع، ولم تقلق السجون ابوابها بعد محاكمة محمد بقاري، وعاصم عمر،
وابناء الصادق حمدون عروة وعماد، وسائر المناضلين الواقفين بكل صمود خلف جدران السجن ينتظرون محاكمتهم من قبل خصمهم المتربع علي عرش الدولة والمتحكم في كل شيئ.
الذي يحدث في بلادنا اليوم لا يمكن تفسيره خارج اطار الحرب الشاملة علي السودان، يديرها المؤتمر الوطني منذ إنقلابه المشؤم وتسلمه الحكم بقوة المدافع وحفره مدافن الظلم للأبرياء في كل بقاء البلاد، ولا تختلف الحرب الدائرة بجامعة الخرطوم عن الحروب في دارفور وجبال النوبة/جنوب كردفان والنيل الأزرق وجرائم بناء السدود في الشمالية ودفن النفايات السامة في مناطق سكنية وإفتعال الصراعات الدينية والمذهبية وتقيد حرية الأديان، بمثل المحاكمات الكرتونية الخبيثة ضد أخوتنا في الوطن والإنسانية من قساوسة الديانة المسحية، وجلد بناتهم أمام أعينهم في محاكمات سابقة وهدم كنائسهم، بالإضافة الي الهجوم المكثف من قبل الأجهزة الأمنية علي الصحف الورقية ومراكز الثقافة والوعي، وسن قوانين جديدة لمواجهة مواقع التواصل الإجتماعي تحت بند الجرائم المعلوماتية.
كل هذه الصراعات والإنتهكات هدفها الأساسي نهب الحريات ومحاربة الفكر والرأي الآخر وإبادة الحضارة البشرية من جغرافية الدولة السودانية المنكوبة.
اننا بصدد مواجهات كبرى سوف تجري علي الساحة الطلابية، وهذه المرة نستشعر خطورتها من خلال قرار النظام الذي قضى بعسكرة الجامعات، وتنظيم مليشيات بوليسية من أناس غلاظ القامة شداد لقذف القنابل المسيلة للدموع لا يعرفون الرحمة، وإعطائهم صلاحيات تخول لهم اطلاق الرصاص علي الذين لم يسطيعوا ربط ألسنتهم عندما يأتي الحديث عن الراهن السياسي أو مستقبل السودان، ولأنهم فتيات وفتية وطنيين همهم الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته ويتفوهون بما لا يهوى الطغاة الجبابرة، تكون مؤشرات المعركة القادمة قد بلغ دخانها مبلغ إظلام كلي للواقع المادي والمحسوس، والذي اعد له النظام الإسلاموي كل ما يلزم استخدامه من اسلحة التدمير (البيضاء والنارية)، وكون كتائبه الجهادية لتنفيذ هذه المهمة الخطيرة، وطلابنا أيضا تسلحوا بفكرهم وأقلامهم وهم بعضهم علي بعض يتحاورون لشد الثورة بحبل الكفاح والهتاف معا (الجامعة جامعة حرة والعسكر يطلع برا)،
فيا لها من معركة حين تلتحم طلائع الحركة الطلابية بجموع الجماهير علي الطرقات وميادين النضال، فتحترق الدماء وتسيل الدموع لتكتب فصول جديدة لوطن حر ديمقراطي، ويا له من مجد ذاك الثوب الملون بحمرة الورد كتبة عليه شعارات الثورة السودانية الكبرى من أجل مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة.
إنها إرادة الشرفاء في التغيير والتحرر وبناء دولة ديمقراطية تسع الجميع، إنهم ثوار بلادنا وفرسانها يخرجون من كل ركن كأنهم ثمار النخل اليانعة، إنهم طلابنا الأحرار لا ينتكسون ولا ينكسىرون ولا ينكسون عن عهدهم أمام جنود السلطان مهما تفاقم بطشهم وجبروتهم، ولا خيار إلا المضي قدما حتي يسقط الظلم وترمم سجون البؤس المظلمة التي تعيد صور ومشاهد القرون الوسطى.
سوف تنتصر الثورة القادمة بترابط الثوار وتوحدهم في تحالف طلابي عريض قائم علي القيم الوطنية ووحدة الهدف، وسيأتي اليوم الذي يغني الشعب فيه °مكان السجن مستشفى .. ومكان المنفى كلية .. ومكان الفرد تتقدم قيادتنا الجماعية°.
وسوم: العدد 684