العبث بصناديق الاقتراع والمحاضر إضرار بالتجربة الديمقراطية ومغامرة بمستقبل الوطن والمواطنين
خاض المغاربة كل خوض في موضوع انتخابات السابع من أكتوبر ، واختلفت وجهات نظرهم باختلاف قناعاتهم في شأنها ، فمنهم من يعلق عليها الآمال العريضة ، ويحلم أحلاما وردية ، ومنهم من يعبر عن يأسه القاتل منها كما يئس الكفار من أصحاب القبور ، ويرى أن دار لقمان ستظل على حالها مهما كان الطيف الحزبي الذي سيفوز فيها إذا ما سلمت قواعد اللعبة الانتخابية من عبث العابثين ، ومنهم من يتجاهلها أصلا، وينأى بنفسه عن المشاركة فيها لأنه يشك في جديتها ، ولا يؤمن بمصداقيتها . والذي يجمع كل هؤلاء على اختلاف قناعاتهم هو الحلم بالديمقراطية الحقيقية كما يتمتع بها شعوب البلدان المتحضرة ، ذلك أن الذي يعلق على الانتخابات الآمال العريضة يحلم بالديمقراطية الحقيقية ، واليائس من الانتخابات إنما يفعل ذلك لأنه يحلم بالديمقراطية الحقيقية ، والمقاطع لها إنما يقاطعها لأنه يحلم بالديمقراطية الحقيقية . والحلم بالديمقراطية الحقيقية هو ما يجمع جميع المغاربة كما تجمعهم الثوابت وإن اختلفوا في قناعاتهم الأخرى . وأكبر تهديد للديمقراطية المنشودة هو أن يطال العبث صناديق الاقتراع والمحاضر كما يتوقع البعض جريا وراء عادة سنوات خلت كانت فيها تلك الصناديق تحت رحمة الجهات المكلفة برعاية عملية الاقتراع يا حسرتاه ، والتي كان من المفروض فيها أن تلتزم الحياد ، وتقف على مسافة واحدة من جميع الأطياف الحزبية والسياسية . والعبث بالصناديق والمحاضر مهما كان الطرف العابث بها هو جريمة نكراء في حق الديمقراطية ،وفي حق هذا الوطن الذي يستحق التضحية بالمهج ، وفي حق مواطنيه الذين يستحقون الحياة الكريمة . ولا بد من استحضار تجربة الشعب التركي حين تعرضت ديمقراطيته للتهديد ، فهب بأسلوب حضاري وبطريقة سلمية وبصدور عارية لحماية ديمقراطيته لأن في حمايتها حماية لنفسه ولوطنه ولهويته . والمطلوب من الشعب المغربي أن يكون كما كان عبر تاريخه العريق في المستوى المطلوب يوم الاقتراع ، فيقطع الصلة مع الذين يساومون صوته المقدس بالمال المدنس ، ويحمي ديمقراطيته المقدسة من التدنيس ، ويحمي صناديق الاقتراع والمحاضر من عبث العابثين . فإذا سادت النزاهة في الاقتراع وفي الفرز ، فمهما يكن الطرف الفائز سيقبله المغاربة لأنه جزء منهم ، أما إذا غابت النزاهة، فإن الطرف الفائز بالتزوير لن يقبله المغاربة مهما كانت الظروف ، لأنهم لن يقبلوا أبدا المغامرة بمستقبل وطنهم وبمستقبلهم ومستقبل أبنائهم ومستقبل الأجيال القادمة .ويجب أن يسجل التاريخ أنهم استماتوا من أجل مستقبل وطنهم . وإن التشبث بالديمقراطية الحق سيخرج الوطن من وضع إلى آخر، وإن هذا الشعب الكريم يستحق الديمقراطية الحقيقية ، وهو أهل لها ، وقد حان الوقت ليقترن بها قرانا لا فراق بعده أبدا . ونأمل أخيرا ألا يخيب أمل المغاربة في نجاة الديمقراطية من الهلاك ،وإن اختلفوا في توجهاتهم . وعلى الذين انتدبوا لحماية عملية الاقتراع أن ينأوا بأنفسهم عن التأثير في نتائجها بشكل أو بآخر تصريحا أو تلميحا سرا أو علانية ، وألا يسجل عليهم التاريخ تخريبهم لسفينة الديمقراطية الحقيقية في بحر الأهوال والمهالك. والله من وراء القصد ، وهو ولي التوفيق ، وهو حسب الشعب المغربي ونعم الوكيل ، وله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد .
وسوم: العدد 688