ما هو الغرض من رفع العلم الإسباني أو أعلام طائفية في مظاهرة احتجاج على موت سملك الحسيمة ؟؟؟
في غمرة الاحتجاج على فاجعة سماك الحسيمة عمد البعض إلى رفع العلم الإسباني فضلا عن رفع أعلام طائفية ،الشيء الذي يعني أن الأمر قد تجاوز عند من فعلوا حد الغضب لموت مواطن بطريقة مهينة ومؤسفة في جوف شاحنة قمامة إلى المساس بالمشاعر الوطنية للمغاربة قاطبة . فماذا كان قصد رافعي العلم الإسباني ؟ هل هو تعبير منهم عن الرغبة في عودة المستعمر الإسباني إلى شمال البلاد في الوقت الذي يتطلع الشعب المغربي إلى خروجه من المدينتين الأسيرتين سبة ومليلية والجزر المحتلة كما خرج من الصحراء المغربية ؟ ولقد شعر مواطنو الحسيمة بالحرج من رفع البعض العلم الإسباني فسارعوا إلى ثنيهم عن ذلك بعدما سجلت وسائل الإعلام ما أقدموا عليه، ونقلت إلى العالم الخارجي صورهم ، وظهر العلم الإسباني بين جموع المتظاهرين . وليس من الوطنية في شيء أن يخرج البعض عن أطوارهم خلال لحظة غضب، فيشمتون بوطنهم الأم من خلال رفع علم بلد أجنبي كان يحتل أرضهم ، ولا زال مصرا على احتلال مدينتين وجزر وطنية . إن الفواجع تلم بكل الأوطان ، ويبلغ الحزن والغضب مبلغه ،ولكن يبقى الوطن محترما ومصون الكرامة ، وفوق كل اعتبار. ولقد تابع العالم قتل الشرطة الأمريكية مواطنين أمريكيين زنوج ، وثار الزنوج، واشتطوا غضبا بل اشتبكوا مع الشرطة ،ووقع بين الطرفين ضحايا ،ولكننا لم نشاهد أحدا رفع العلم البريطاني أو غيره احتراما لوطنهم ، وتشبثا بهويتهم . وإن رفع علم بلد كان يحتل بلدنا في تظاهرة من المفروض أن توحد الشعب حول فاجعة ألمت فعل مشين يرقى إلى مستوى جرم الخيانة العظمى ، وكان من المفروض أن يتابع من فعل ذلك أمام القانون . ولا شك أن الغضب من هذا الفعل الشنيع الذي مس بالمشاعر الوطنية للمغاربة هو الذي حمل البرلمانية على استحضار كلمة " أوباش " التي تعني سفلة الناس . ومن الأقوال المأثورة " من استغضب ولم يغضب فهو حمار " والبرلمانية إنما صدر منها ما صدر في غمرة غضب لرفع علم أجنبي في مظاهرة وطنية ، وذلك يعبر عن غيرتها الوطنية ، ولا يجب أن يذهب البعض بعيدا في إدانتها ،وتعليق انتمائها الحزبي والبرلماني ،والمطالبة بمحاكمتها في حين لا يدان ولا يحاسب الذين رفعوا العلم الإسباني ونالوا بذلك من كل الشعب المغربي . ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن كل المواطنين في طول البلاد وعرضها حينما شاهدوا العلم الإسباني يرفع فوق الرؤوس في مظاهرة الحسيمة غضبوا لذلك أشد الغضب ،ونعتوا من فعلوا ذلك بأقبح النعوت التي قد تتجاوز النعت الذي استعملته البرلمانية .
ومن المؤسف أيضا أن ترفع أعلام طائفية في بعض جهات الوطن ، وهي أعلام لا يرفعها المغاربة وحدهم بل يشاركهم في ذلك مواطنون من بلدان مجاورة بنية الانتماء الطائفي ،الشيء الذي يعني إظهار الولاء للطائفة عوض إعلان الولاء للوطن . فلو أن كل طائفة أو قبيلة رفعت علما خاصا بها لكثرت الأعلام في الوطن الواحد على حساب العلم الموحد لكل طوائف الوطن . ولا يبالي الذين يرفعون العلم الطائفي بمشاعر غيرهم من المواطنين . ولو أن غيرهم رفع علما طائفيا أيضا لثاروا في وجهه، واعتبروا ذلك استفزازا لهم . ومعلوم أن رفع الأعلام الطائفية في بعض بلدان العالم يرمز إلى الانفصال كما هو الشأن بالنسبة لإقليم كاتلونيا الإسباني الذي يرفع سكانه علمهم الطائفي ، وهو فعل يدل على الرغبة في الانفصال عن الوطن الأم . فهل رفع الأعلام الطائفية عندنا لها نفس الدلالة ؟ فإذا كان الأمر كذلك، فإن القضية في غاية الخطورة ، وهي تهدد الوحدة الوطنية في الصميم . وإن الشعب المغربي الأصيل لم يعرف عبر تاريخه الطويل سوى التمسك بالوحدة الوطنية ، وشعار المغاربة هو " نحن كلنا مغاربة "، وهو شعار تنتفي معه كل إشارة للطائفية . ومعلوم أن الطائفية هي وقود الفتنة ، ولنا عبرة في شعوب عربية تعاني من ويلات الصراع الطائفي الذي أهلك الحرث والنسل ، وقوض الأوطان، ودمر الإنسان والعمران . فهل سيعود دعاة الطائفية والنافخون في أوارها إلى رشدهم أم أنهم سيتمادون في استفزاز المشاعر الوطنية لمواطنيهم ؟ وعلى الجهات المسؤولة أن تضع حدا لهذا الاستفزاز المرفوض من طرف الشعب المغربي . ولا يمكن أن يرفع علم آخر مع العلم الوطني الذي يجمع كل المغاربة ، وهو من الثوابت التي لا يمكن أن تمس لأنه يرمز إلى الوحدة الترابية .
وسوم: العدد 693