كفكفي دموعك فالحرب سجال
يستطيع مؤيدو النظام اليوم أن ينتشوا بانكسار حلب، ودمارها، ويبتهجوا برؤيتها ركامًا فوق ركام، ويُكحّلوا أعينهم بالدماء التي سالت غزيرة على طرقاتها، ويُباركوا المرتزقة الذين دخلوا وحوشًا ضارية لينتقموا من أطفال حلب ونسائها، ويستطيعون أن يقولوا: إن النظام ختم معركة حلب أبشع خاتمة.
يستطيع مؤيدو النظام أن يرقصوا على جثث تفترش شوارع حلب، ولا تجد من يُكرمها فيدفنها، وأن يقولوا: إنهم استباحوا عظمة “سيف الدولة الحمداني”، وأعدموا “سليمان الحلبي”، وداسوا على نضالات “إبراهيم هنانو”، وانتهكوا وطنية “سعد الله الجابري”، ودنّسوا زهد “سمعان العمودي”، ودمّروا مسرح “فواز الساجر” الوطني. وأن النظام قتل إنسانية المدينة البيضاء.
ويستطيعوا -أيضًا- أن يقولوا إن عنف نظامهم بزّ البرابرة والمغول، وتجاوز الصليبيين، وماثل هولاكو وتيمورلنك الذي بنى تلّة من الجماجم لـ 20 ألف ضحية، ويفخروا بأنه انتهك كل الأعراف الإنسانية في حلب الشهباء، وقضى على آخر مستشفى وطبيب وممرض فيها.
يمكن لهم أن يفرحوا، ويتمختروا داخل قلعتها، بعد أن يُزيلوا جثث الأطفال الذين قُتلوا من حولها، وأن يسيروا في سوقها الأثري النادر الذي أحرقه نظامهم، ويدخلوا “أمويّها” الذي دكّته مدافع نظامهم، وأن يُباركوا دخول الميليشيات الطائفية التي ستبدأ فورًا بتدنيس المدينة المباركة.
كذلك، يمكن للخامنئيين أن يبتهجوا باستكمال “كوريدورهم” الشيعي، وأن يشعروا بالنشوة؛ لأنه بإمكانهم الآن بناء الحسينيات؛ لينتظروا فيها مهديّهم، كما يمكن للبوتينيين أن يشربوا “الفودكا” احتفالًا بنشوة النصر، ونشوة الخواتيم المأسوية التي خلّفتها قرارات زعيمهم اللاإنسانية، والتي سترافقه لعنتها حيًا وميتًا.
يمكن لموالي فصائل المعارضة السورية التي خانت الأمانة، وامتهنت الارتزاق، أن ينتشوا، بعد أن فضّلت مصالحها الذاتية على مصالح المساكين، وتفادت غضب الممولين، وتخلّت عن أصحاب الدار المحتاجين، وارتهنت للراديكاليين، وركنت تحصي أرباحها وثرواتها.
ما لا يُدركه كل هؤلاء، أن الثورات لا تسير وفق خط مستقيم مُحدد، وقد تنجح وتجنح وتكبو، وتُقدّم أثمانًا باهظة، لكنها دائمًا تمتلك في ذاتها القدرة على التأقلم وتغيير الأدوات، والقدرة على إبداع وسائل مقاومة مختلفة ومتجددة، وعلى طرد العملة الرديئة من السوق.
ما لا يُدركه هؤلاء، أن الثأر لا يموت، وأن روح طفل حلبي أغلى من أرواحهم مجتمعين، ودمعة أم حلبية ثكلى أغلى من رؤوسهم قاطبة، وأن سقوط حلب لن يكون رمزًا لنهاية الثورة، أو أن يكون انكسارها بداية عصر استبدادي آخر.
الثورة حلم، وفي الوقت نفسه هي سيل جارف، لا يتوقف إلا بعد أن يجرف أمامه كل أوساخ الأرض التي يلاقيها في طريقه… وليست الحرب إلا سجالًا… وغدًا لناظره قريب.
وسوم: العدد 698