القدس ونقل السفارة الأمريكية
تتواتر الأنباء حول نيّة الرّئيس الأمريكي المنتخب رونالد ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس فور استلامه لمهامّه في 20 يناير الحالي، ويحظى في ذلك بتأييد الأغلبيّة في الكونغرس الأمريكي، ومع أنّ أمريكا دولة مؤسّسات وقانون، فإنّ الرّئيس مجرّد واجهة لتنفيذ سياسة بلاده، فهل سيكون الرّئيس المنتخب ترامب أقلّ ذكاء من أسلافه الذين كانوا يؤجّلون تنفيذ قرار الكونجرس بهذا الخصوص منذ عام 1995، لعلمهم بالنّتائج الوخيمة المترتّبة على ذلك؟
والواقع أنّ التّأييد الأمريكي الأعمى لاسرائيل، والسّباق بين الرّؤساء الأمريكيّين في هذا التّأييد، حتّى بات كلّ رئيس جديد يفاخر بأنّه داعم لاسرائيل أكثر من سابقيه، يجعل المرء يتساءل عمّن يتبع من؟ فهل اسرائيل تتبع أمريكا أم العكس؟ وأنا أرجّح أنّ أمريكا تتبع اسرائيل، حتى تكاد تكون ولاية غير معلنة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بل إنّ غاليّة الولايات الأمريكيّة لا تحظى بالدّعم الفدرالي الأمريكي لها مثل دعمهم لاسرائيل.
وبما أنّ العلاقات بين الدّول تقوم على المصالح، فإنّ أمريكا ثبت لها بالتّجربة على مرّ السّنين، أنّ مصالحها في الشّرق الأوسط مضمونة من خلال عرب ضعفاء-لا حول لهم ولا قوّة- يقابلهم اسرائيل قويّة كقاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في المنطقة، فالنّظام العربيّ الرسميّ استطاع بكفاءة عالية أن يهمّش المنطقة العربيّة، ويخرجها من فاعليّة التّاريخ المعاصر، وارتضى أن تكون مفعولا به، ولا يمكن أن تكون فاعلا، وبالتّالي بات التّصوّر بأن لا حساب للمواقف العربيّة الرّسميّة عندما تتّخذ أمريكا أو اسرائيل أي قرار أو تصرّف يتناقض والمصالح العربيّة، فحتّى "سلاح الشّجب والاستنكار" العربيّ بات خجولا إلى درجة معيبة. في حين غُيّبت الشّعوب عن دورها من خلال الجهل المنتشر، والانغلاق عمّا يجري في العالم، والالتهاء بفتاوي دينيّة أخرجت من شيوخ السلاطين عن سياقها الزّمني، وأوقعت الشّعوب في اقتتال لتدمير أوطانها وقتل شعوبها، وتنفير الشّعوب من الدّين والمتديّنين.
لكن هل يغيب عن أصحاب القرار في البيت الأبيض، إذا ما تمّ تنفيذ القرار بنقل السّفارة الأمريكيّة إلى القدس، بأنّ ذلك يشكّل خرقا لمبادئ الدّستور الأمريكيّ الذي يقدّسه الأمريكيّون، وهو خروج على القانون الدّوليّ وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة أيضا، عدا عن كونه اعلان حرب مفتوحة على العرب والمسلمين كون القدس ومسجدها الأقصى جزء من العقيدة الاسلاميّة، وهو بمثابة شطب كامل لمبدأ حلّ الدّولتين، وأكثر من ذلك هو استبعاد وقتل لأيّ حلّ سلميّ في المستقبل المنظور للصّراع الذي طال أمده.
فبعد أقلّ من خمسة شهور من الآن ستحلّ الذّكرى الأليمة على الاحتلال الاسرائيليّ للأراضي العربيّة، ومنها الأراضي المقرّر إقامة الدّولة الفلسطينيّة عليها، فهل ستلجأ أمريكا الدّولة الأعظم في العالم إلى زيادة الصّراع تعقيدا بدلا من حلّه؟ وهل ستدخل المنطقة في حروب دينيّة سيعلم مشعلو النّيران متى يبدأونها، لكنهم لن يعلموا هم ولا غيرهم متى ستنتهي؟ لكنّها بالتّأكيد ستحرق الأخضر قبل اليابس، ولن ينجو من لهيب نيرانها مشعلوها ولا قويّ ولا ضعيف، وستتهاوى كراسي "كنوز اسرائيل وأمريكا الاستراتيجيّة" في المنطقة. وهل سينتبه العالم لهذه المخاطر ويتفاداها قبل فوات الأوان؟
وسوم: العدد 703