5 أسباب رئيسية في مقدمها سياسات إيران تدفع تركيا والخليج إلى تعزيز التقارب على كافة المستويات
إسطنبول ـ «القدس العربي»: حراك غير مسبوق تشهده العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي في الأيام الأخيرة تمثل في سلسلة من الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى وانعقاد منتديات للتعاون الاستراتيجي مع السعودية والاقتصادي مع الإمارات، في حين بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأحد، زيارة إلى البحرين ستقوده إلى السعودية وقطر أيضاً.
وفي هذا الإطار يبرز العديد من الأسباب التي تدفع تركيا ودول الخليج إلى التقارب وتعزيز العلاقات على كافة المستويات لا سيما السياسية والاقتصادية لمواجهة التحديات المختلفة المشتركة التي تواجه الجانبين في المنطقة والعالم بشكل عام، وهو أمر بات ملحاً للجانبين أكثر من أي وقت مضى. التعاون المتنامي بين تركيا ودول مجلس التعاون لم يرتق بعد إلى ما يمكن تسميته بـ»تحالف استراتيجي» ولم ينجح في تحقيق أهداف كبيرة في سوريا والعراق والحد من نفوذ إيران، إلا أنه يمتلك العديد من العناصر الإيجابية للجانبين. حتى وإنه لم يحقق مكاسب كبرى إلا أنه تمكن من تقليل الخسائر.
سياسات إيران في المنطقة
على الرغم من أن تركيا لا تتصدر العداء لإيران وتربطها معها علاقات اقتصادية واسعة وسياسية جيدة إلا أن أنقرة ترى في إيران منافساً إقليمياً لها، وتعارض سياساتها في سوريا والعراق والمنطقة العربية بشكل عام، وتركز على انتقاد ومحاولة وقف سياساتها الطائفية في المنطقة. وهي مواقف تعتبر قريبة جداً من التي تتبناها دول المجلس التعاون نحو إيران وتعتبر بمثابة دافع مُلح لتقوم دول المجلس ببناء علاقات متينة مع تركيا.
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديه شخصياً انحياز واضح للمذهب السني ومواقف حادة تجاه التمدد الشيعي في المنطقة، وقد أبانَ عن ذلك في العديد من المواقف، وانحاز بشكل واضح للسعودية في أزمتها مع إيران حول إدارة موسم الحج، وقدم دعماً لافتاً للرياض في هذا الموضوع، بالإضافة إلى دعمه الواضح للتحالف الخليجي في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. كما سبق لتركيا وأن أعلنت احترامها لمطالب الإمارات بالجزر المحتلة من قبل إيران، ونددت بالهجمات التي تشنها جماعات مدعومة من قبل إيران في البحرين.
وبشكل عام تبدو تركيا واقفة إلى حد كبير إلى جانب موقف الخليج من إيران وتدخلاتها في دول مجلس التعاون، والحد من سياساتها الطائفية في الدول العربية، بالإضافة إلى أن تركيا بات لها نشاط كبير في الدول الأفريقية إلى جانب السعودية، وذلك يساهم في الحد من مساعي طهران لتوسيع نفوذها في القارة السمراء الفقيرة.
سوريا والسياسات الإقليمية
مع تزايد التغيرات الإقليمية واشتداد التحديات، وجدت الدول الخليجية نفسها مضطرة للدخول في العديد من الصراعات في المنطقة من منطلق حماية أمنها ومصالحها الإقليمية ووقف نفوذ القوى المنافسة في المنطقة، وخاصة إيران التي تسعى لمحاصرة دول مجلس التعاون وإنهاء نفوذها في المنطقة. وبينما أرسلت السعودية وعدد من دول مجلس التعاون قواتها إلى اليمن لمحاربة حلفاء إيران، لم تستطيع إقحام قواتها بشكل مباشر في الحرب السورية، وبنت تحالفات مع تركيا من أجل تصدر الملف السوري، عقب التقاء مصالح الطرفين في إسقاط نظام الأسد ومحاربة الميليشيات الشيعية، وهو ما لم تستطع تركيا القيام به بشكل مباشر طوال سنوات الثورة السورية، لكنها تمكنت وبدعم خليجي من إدخال الأسلحة وتقديم الدعم العسكري غير المباشر الذي أطال أمد الحرب ومنع حسمها لصالح الأسد وحلفائه حتى اليوم.
وعلى الرغم من أن عملية «درع الفرات»، التي تقوم بها تركيا في شمالي سوريا انطلقت تلبيةً لمصالح تركية بحتة، إلا أن إمكانية توسعها لتشمل مدينة الرقة بتوافقات ممكنة مع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، ودعم سعودي سيؤدي إلى تقليل الأضرار في سوريا والحفاظ على سيطرة المكونات السنية على المناطق المتبقية بدلاً من السيطرة عليها من قبل الوحدات الكردية أو النظام السوري والميليشيات الشيعية.
المكون السني في العراق
تتفق تركيا والدول الخليجية على ضرورة الحفاظ على التركيبة الديموغرافية للسكان في العراق، وتدعو إلى وقف عمليات التهجير وتغيير التركيبة السكانية على أساس طائفي، وظهرَ ذلك جلياً مع بدء الحديث عن انطلاق عملية طرد تنظيم الدولة من مدينة الموصل.
تركيا التي تصدرت الأمر وحاولت بقوة إقحام نفسها في عملية تحرير الموصل، لم تنجح بذلك بشكل كبير، لكنها أبقت على وجود لقواتها في المدينة وحصلت على ضمانات بأن تدير المدينة عقب تحريرها القوات السنية التي دربها الجيش التركي. وبشكل عام تبرز تركيا كمدخل لدول الخليج للإبقاء على يد لها في شمالي العراق، خاصة في ظل تمتع أنقرة بعلاقات وثيقة مع حكومة كردستان العراق والأحزاب والمكونات السنية هناك.
التعاون الاقتصادي
تلاقت المصالح الاقتصادية بين تركيا ودول الخليج في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، وبينما تسعى تركيا التي تمر بأزمة اقتصادية وانخفاض حاد في قيمة العملة المحلية بقوة، من أجل جلب استثمارات خليجية إلى أراضيها، باتت الشركات التركية لا سيما في مجال العقارات والبناء خياراً مفضلاً لدى معظم دول مجلس التعاون. وبالإضافة إلى أن تركيا تُصدر الملابس والأطعمة والكثير من المنتجات الاستهلاكية المفضلة في دول الخليج، اصبحت تتصدر كذلك في العديد من المشاريع الكبرى كبناء المشاريع العقارية والمطارات والمراكز التجارية الضخمة التي وصل قيمة أحدها، مثل تطوير مطار الكويت، إلى 4.3 مليار دولار.
وتسعى تركيا مع دول الخليج إلى توقيع اتفاقية للتجارة الحرة في ظل تحقيق أرقام غير مسبوقة في معدلات التبادل التجاري، التي فاقت 10 مليارات دولار مع الإمارات، و6 مليارات مع السعودية، ومعدلات تتزايد مع قطر والبحرين وعمان والكويت، وهي الدول التي زادت من نشاطها التجاري والاستثماري على الأراضي التركية في ظل توجهاتها لتوسيع عملياتها التجارية والصناعية لتقليل اعتمادها المستقبلي على النفط.
وفي ظل عدم وضوح سياسة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب اتجاه دول الخليج سعت أنقرة لجذب جزء من الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة إلى أراضيها خاصة مع إعلانها تأسيس مركز تجاري عالمي وبورصة دولية ضخمة في اسطنبول، عقب الحديث عن إمكانية سحب أموال خليجية لتعويض ضحايا الهجمات الإرهابية، وهو ما أثار مخاوف الدول والمستثمرين الخليجين. وتوقع عبيد حميد الطاير، وزير الدولة الإماراتي للشؤون المالية، أمس، أن تبدأ الدول العربية مجتمعة أو منفردة (ومنها دول مجلس التعاون الخليجي)، بالبحث في إنشاء تكتلات إقليمية، أو شراكات اقتصادية جديدة، حماية لمصالحها، وخدمة لأجيالها القادمة.
مع تزايد التهديدات الإرهابية والتحولات الإقليمية زادت حاجة الطرفين للبحث عن حلفاء جدد وبناء تحالفات مختلفة عن السابقة، وربما ساهم في ذلك إلى حد كبير الشعور المشترك لتركيا ودول الخليج بالخذلان الأمريكي من سياسات الرئيس السابق باراك أوباما وعدم وضوح سياسات الرئيس الجديد دونالد ترامب.
وليد عبد الكريم الخريجي السفير السعودي الجديد لدى تركيا أكد أن «الرياض وأنقرة من أهم القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة». ولفت في تصريحات،أمس، إلى أن الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس أردوغان، يحرصان على تطوير التعاون في الجانب العسكري والدفاعي. مذكراً بزيارة وزير الدفاع التركي فكري إشيق، للمملكة في وقت سابق من الشهر الجاري ولقائه ولي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. ووقعت تركيا والسعودية خلال الأشهر الأخيرة عددا من الاتفاقيات لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية وبناء مصانع مشتركة، في حين وصل التعاون العسكري بين تركيا وقطر إلى ذروته مع بناء تركيا قاعدة عسكرية على الأراضي القطرية، مع مساع أوسع لتوقيع اتفاقيات للتعاون الدفاعي بين الجانبين لمواجهة التحديات الإقليمية ومكافحة التنظيمات الإرهابية.
وسوم: العدد 707