الشعب المغربي هو الطرف الوحيد الخاسر في عملية تأخير تشكيل الحكومة
يطالع المغاربة يوميا ما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة ورقية ورقمية بخصوص موضوع تأخر تشكيل الحكومة ، ويتداولون آخر ما يصرح به المكلف بتشكيلها وما يصرح به غيره وقد انقضى موعد هذا التشكيل حتى قال البعض عنه البعض لقد جاوزت الحكومة المنتظرة عدة المتوفى عنها زوجها ، وحق لها أن تتزوج من جديد. و معلوم أن زواج هذه الحكومة هو انتخابات جديدة يتبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود لكن بشرطين : أولهما نظافة ونزاهة الانتخابات وخلوها مما عرفته الانتخابات السابقة مما ارتاب فيه الشعب ، وثانيها مشاركة العازفين عن التصويت فيها . وليس من السهل أن يتوفر هذان الشرطان فضلا عن وجود فكرة تجنب أو التهرب من إعادة الانتخابات بذريعة تكلفتها المادية وهي تكلفة يمكن أن تسدد من رواتب البرلمانيين ، تلك الرواتب التي اقترح بعضهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن تستثمر في استيراد الأبقار الحلوبة ليدخل المغرب في تنافس مع الدول المصدرة للحليب ومشتقاته في العالم ، وهي فكرة صائبة خصوصا وأن بعض البرلمانيين يزايدون على غيرهم في إطار الدعاية الحزبية بفكرة التخلي عن رواتبهم توددا إلى شعب من أذكى الشعوب والذي لا تنطلي عليه حيل محتال ، ولكن الله غالب كما يقال . ولقد أكد التلكؤ في تشكيل الحكومة أن الأطراف المسؤولة عنه سواء تلك التي تشتغل في الكواليس أو تلك التي تعلو خشبة المسرح السياسي تستخف بالشعب وبإرادته ، وهو الذي كان في الموعد يوم الانتخابات ولم يتلكأ ولم يتأخر حينما دعاه الواجب الوطني . وبالرغم من أن تشكيل الحكومة أمر داخلي جلل كان من المفروض أن يكون على رأس الأولويات ، فإن الأولوية تعطي لغيره من الأمور ، وبقي هوآخر ما يتم التفكير فيه، الشيء الذي يقوي وجود نية الاستخفاف بإرادة الشعب . ويبدو أن الأطراف الظاهرة منها والمقنعة والمستترة التي تتعمد تأخير تشكيل الحكومة قد ندمت على إجراء الانتخابات التي جرت رياحها بما لا تشتهيه سفنها .ولو جرت الرياح بما اشتهت سفنها لتشكلت الحكومة قبل أن يقوم القائم من مقامه أو قبل أن يرتد إليه طرفه . وتسود قناعة لدى الرأي العام المغربي أن اللعبة الديمقراطية عندنا مجرد هزل ولعب كلعب الصغار لا جد فيه . ولو كان في هذا العالم من يحمي الديمقراطية لتمت مقاضاة من يعبثون بها عندنا ويبتذلونها ،وهي التي تخضع لأقدس المقدسات ألا وهي إرادة الشعوب .ولو أن الذين يبتذلون الديمقراطية عندنا تخلوا عن التبجح بممارستها واختاروا الشمولية بديلا عنها لكان أنسب لهم ، ولما عيب عليهم ذلك لأن الشمولية لا تداري وهي الصفة الإيجابية الوحيدة فيها . ومع الحديث عن تأخر تشكيل الحكومة يغفل الحديث عن الثمن الباهظ الذي يقدمه الشعب بسبب ذلك وهو الطرف الوحيد الخاسر ، فالبرلمانيون في عطلة مجانية دخلت كتاب جينس للأرقام القياسية ، وهم يتقاضون أجورهم كاملة غير منقوصة ، وبعضهم يوظفها للمزايدة الحزبية . ولو طرحت فكرة التخلي عنها التي يزايد بها البعض تحت قبة البرلمان لتبين من بكى ممن تباكى . ووزراء حكومة تصريف الأعمال يتقاضون أجورهم كاملة غير منقوصة ، ويصدرون قرارات ، ويوقعون اتفاقيات كان من المفروضة أن تقول الحكومة الجديدة رأيها فيها بعد استشارة الشعب عبر ممثليه في البرلمان . ومن المؤكد أن القرارات المتخذة في فترة تأخر تشكيل الحكومة ،وفيها ما هو خطير ووخيم العواقب تشبه قرارات فترات حالات الطوارىء التي تحل فيها البرلمانات . ويتساءل الرأي العام ومن حقه أن يتساءل : أليس تأخير تشكيل الحكومة مقصود من أجل تمرير قرارات ليست في صالح الشعب ،ولا يمكن أن يقبلها لو أنه استشير بخصوص اتخاذها ؟والشعب يترقب كيف سيخرج الذين عطلوا تشكيل الحكومة من ورطتهم التي وضعوا أنفسهم فيها ؟ ولقد بدأت الشكوك تحوم حول جدية اللعبة الديمقراطية عندنا ، بل تسود مخاوف من إهدار حتى الرصيد المتواضع منها في ظرف إفشال حراكات الربيع العربي، وهو ما ينذر بعواقب الأمور لا قدر الله . ولقد ثبت عبر التاريخ البشري الطويل أن أكبر خطإ يرتكب هو الاستخفاف والاستهانة بإرادة الشعوب التي هي من إرادة الله عز وجل. وأخيرا نأمل أن يعود المستخفون بإرادة هذا الشعب إلى رشدهم قبل فوات الأوان وقبل حلول الندم ولات حين مندم .
وسوم: العدد 708