الحقيقة التي يتحاشاها المحللون بخصوص مشكل تشكيل الحكومة المغربية

منذ إعلان ما سمي " بلوكاج "  في قضية تشكيل الحكومة أهدرت كمية كبيرة من المداد لتسويد صفحات الجرائد الورقية ، وأهدرت طاقة كبيرة لتمويل صفحات المواقع الرقمية من طرف حشد كبير من المحللين منهم المحسوب على الجامعيين والأكاديميين ،ومنهم دون ذلك . وتعددت التحليلات، وكثرت التكهنات ، وخاض الخائضون في الموضوع كل خوض، وقالوا كل ما لم يخطر على بال إلا أن الجميع تحاشى ذكر حقيقة لم يشر إليها وهي حضور دور إرادة خارجية  في عملية البلوكاج . ولإدراك هذا الدور لا بد من أخذ الوضع السياسي العالمي والإقليمي بعين الاعتبار. ولا يمكن استثناء وضع المغرب من وضع العالم العربي ، فهو وإن لم يأخذ حراكه خلال  ثورات الربيع العربي منحى حراك غيره من البلاد العربية ، فإن وضعه لا يختلف عن وضعها الذي يميزه عدم الاستقرار ، وإن كانت نسبة عدم الاستقرار في المغرب أقل منها في البلاد العربية الأخرى بسبب طبيعة الحراكات وما تلتها من تداعيات . وقد لا يتفق البعض مع كون البلوكاج يعتبر عدم استقرار سياسي و الحقيقة  أنه كذلك . ومعلوم أن عدم الاستقرار السياسي على اختلاف أنواعه ودرجاته  في  البلاد العربية سببه إرادة خارجية لها مصالح وراء هذا الوضع . والمسكوت عنه لحد الساعة هو أن تلك الإرادة الخارجية ترفض رفضا قاطعا وجود حكومات عربية فيها أحزاب بنكهة إسلامية مهما كانت درجة هذه النكهة . ولا يمكن تجاهل ما حدث في مصر أو في تونس أو في غيرهما من البلاد العربية أثناء الحديث عما يحدث في المغرب . ومن المؤكد أن سبب البلوكاج يتجاوز الداخل إلى الخارج . ولقد اندلع الحراك في الأقطار العربية حين ضاقت الشعوب العربية ذرعا بالفساد السياسي الذي كان يكرسه الخارج إلا أن هذا الأخير انتفض بشدة ضده ، وعمل جاهدا على وضع حد لتداعياته، ومنها ظهور أحزاب سياسية فيها رائحة الإسلام ، ووصولها إلى مراكز صنع القرار، الشيء الذي يعني انفلات زمام البلاد العربية من قبضة الإرادة الخارجية . ومن انتفاضة الإرادة الخارجية دعم انقلاب عسكري على الديمقراطية في مصر ، وهو سابقة لا مثيل لها لأن الديمقراطية بالنسبة للإرادة الخارجية حين تفرز ما فيه رائحة الإسلام تكون قد انحرفت عن مسارها ،ويكون الانقلاب ليس عليها  في حد ذاتها بل على ما أفرزته  مما لا تقبله الإرادة الخارجية الوصية على الديمقراطية في العالم . ولا تقبل هذه الإرادة الخارجية وجود ما فيه رائحة الإسلام في السلطة وصنع القرار ولو كانت هذه الرائحة جد خفيفة كما هو الشأن في المغرب . ومع أن حزب المصباح أظهر من المرونة ما كاد يجعله يتنكر لتلك الرائحة الجد خفيفة  أو يرتد ، فإن الإرادة الخارجية لم تقبل به شريكا، فأوعزت إلى الإرادة الداخلية لتدبير إقصائه بشكل أو بآخر أو تقزيم تأثيره بأكبر قدر ممكن ،وهو ما حدث  بالفعل ،وسمي بلوكاج . ومن الكلام السخيف لدى بعض المحللين أن هذا الحزب لم يصوت عليه إلا مليون وست مئة من أفراد الشعب ، ومن ثم لا يمكن اعتبار أغلبيته  أغلبية لأن عدد الذين لم يصوتوا أصلا أكبر ممن صوتوا . وسخافة هذا الطرح هي أن العملية الانتخابية أعطت لحزب المصباح الأغلبية بعدد المشاركين في التصويت لا بعدد من لم يصوتوا  ، ولا يعقل أن تقوّم نتيجته باعتبار الذين لم يصوتوا مع أنه لا أحد منعهم من ذلك ، وكانت تلك هي إرادتهم التي لم يجبروا عليها .وإذا كان عدد المصوتين على حزب المصباح لم يتجاوز مليون وست مئة مصوت ، فعدد الذين صوتوا على باقي الأحزاب  دون ذلك بكثير ، ومع ذلك لا يقال لها ما يقال لحزب المصباح، بل يتحدث البعض وكأن الذين لم يصوتوا أصلا تحسب أصواتهم لتلك الأحزاب  وإن لم يصوتوا عليها . ويكاد البعض يرى أن عدد المقاعد التي حصلت عليها بعض الأحزاب، وهي قليلة بالمقارنة مع ما حصل عليه حزب المصباح تعدل إن لم نقل تفوق عدد مقاعده  ، وهنا يبدو الحساب وكأنه حساب  صرف  ما يسمى بالعملات الصعبة مع العملات السهلة أو المنحطة ، فيعدل مقعد حزب من تلك الأحزاب عشرات مقاعد حزب المصباح  وهي قسمة ضيزى .  ومثل هذا الحساب إنما هو انعكاس لإرادة خارجية ضاغطة بقوة، وهي الحقيقة التي يتحاشى الإشارة إليها المحللون . وعلى حزب المصباح إذا كان يريد كسر البلوكاج  بالفعل أن يعلن ردته الكاملة  بين يدي الإرادة الخارجية التي لن ترض عنه أبدا حتى يتبع ملتها .  ما أظن أن حزبا  عندنا نال من النقد والتجريح والتخوين والتسفيه والسخرية والشماتة ...ما ناله حزب المصباح بسبب رائحته الإسلامية التي تزكم أنوف من لهم  في الحقيقة تصفية حساب  تاريخية مع الإسلام ،وإن كان إسلام حزب المصباح  يشكك فيه الجميع بل منهم من يعتبره نفاقا و ريعا  دينيا . فهل يجرؤ أحد من المحللين ألا يتحاشي الحقيقة وهو يخوض في موضوع البلوكاج؟  

وسوم: العدد 709