أيها المعنيون بتشكيل الحكومة لقد عرفنا قدرتكم على التعنت فأرونا شيئا من مرونتكم
مما مدح به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وهو إسوة المؤمنين الحسنة كما وصفه رب العزة جل جلاله في محكم التنزيل قول الشاعر:
وهذا البيت من الشعر من أجود ما مدح به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه تناول صفة البر في قول لا وفي قول نعم . ومن معاني البر الصدق ، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق كان بارا على الدوام حين يقول لا وحين يقول نعم . ولقد جعله الله عز وجل لنا قدوة وإسوة حين نكون أمام قول لا أوقول نعم . ولقد قلتم أيها المعنيون جميعا بتشكيل الحكومة لا لتشكيلها مدة خمسة أشهر أو يزيد ، فهل كنتم جميعا أبرارا في قول لا اقتداء وتأسيا برسول الإسلام الذي بعثه الله عز وجل معلما للبشرية ؟ والبر في قول لا يقتضي أن يكون قولها جالبا للمنفعة دافعا للمفسدة . وأية منفعة في تأخر تشكيل الحكومة كل هذه المدة والشعب ينتظر أن ترفع الحواجز ويرفع الحظر عن مصالحه المعطلة بسبب ذلك؟ فلو أنكم أيها السادة وضعتم نصب أعينكم الشعب الذي دعوتموه للتصويت عليكم، فلبى نداءكم دون أن يتأخر كما تأخرتم لفكرتم ألف مرة قبل شطب كلمة نعم من قاموسكم ،وأنتم تتداولون موضوع تشكيل الحكومة . ولقد صوت عليكم الشعب لتشكلوا حكومة تكون له خادمة ، ولم يصوت عليكم لتظهروا له قدرتكم على التعنت في تشكيلها ، ويزايد بعضكم على بعض ، وأنتم تتنافسون في وضع العراقيل أمام بعضكم البعض ، وأنتم تتباهون بتعجيز بعضكم بعضا . ولقد أظهرتم لنا شجاعتكم في قول لا لتشكيل الحكومة ونريد أن نرى شجاعتكم في قول نعم ،وهو قول لم نر منكم في قوله إلا الجبن والخور. وما أجبن الإنسان حين يكون قادرا على قول نعم ،فيظل أسير قول لا وليس في قولها خير ولا نفع يرجى ، بل لا يكون قائل لا بارا في قولها إلا إذا كانت في سياق رفض الباطل ، وكانت جالبة لخير دافعة لشر . وإذا كان قولكم لا لتشكيل الحكومة فلا يخلو أن يكون ذلك إما بسبب باطل رفضتموه أو بسبب تعنت ركبتموه ، وشتان بين من يقول لا انتصارا للحق على الباطل، ومن يقول لا تعنتا للباطل على الحق. ولئن وصف بعضكم بعضا بالتعنت فزال من اللعبة بعضكم وظل التعنت باقيا فيكم أو بينكم فكلكم حينئذ متعنت بلا استثناء ، وكلكم جدير بالزوال لتعاد اللعبة من جديد عن طريق شوط انتخابي إضافي وضربات جزاء ترجيحية كفيلة بإسقاط الأقنعة وإحقاق الحق وإزهاق الباطل . ولن تبلغوا جميعا مرتبة البر في قول نعم لتشكيل الحكومة حتى يرعى بعضكم لبعض قدره ،فلا يبخس منكم من حاز المرتبة العليا في الانتخابات حقه ، ولا يحقر منكم من حاز المرتبة الدنيا وأنتم من أمة يسعى بذمتها أدناها وهي يد واحدة على من سواها . ولو أنكم قبل شروعكم في مشاورات تشكيل الحكومة استحضرتم ما يجمعكم وغلبتموه على ما يفرقكم، لكانت لديكم الشجاعة على قول نعم لتشكيل الحكومة ،ولم تركنوا إلى قول لا وهي أسهل مركب يركبه العاجز . وها أنتم على بعد أسبوعين فقط لتظهروا شجاعتكم في قول نعم بعدما قضيتم أزيد من خمسة أشهر في قول لا وهو جبن وعجز منكم . وسيكون أشجعكم من يبادر بقول نعم من أجل الوطن والصالح العام ، وسيكون سيدكم في ذلك صاحب نكران الذات ، و سيكون أقواكم من عف عند المغنم.
وسوم: العدد 712