سوريا: صحافي يقتل تحت التعذيب والقناة الفلسطينية التي يعمل بها محرجة من مجرد نعيه

سوريا: صحافي يقتل تحت التعذيب

والقناة الفلسطينية التي يعمل بها محرجة من مجرد نعيه

محمود زيبك

خطر لي عقب ساعات من انتشار خبر استشهاد الزميل الصحافي بلال أحمد بلال تحت التعذيب في سجون النظام السوري بعد ثلاث سنوات من الاعتقال أن أتابع قناة ‘فلسطين اليوم’ التابعة لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي كان يعمل الزميل بلال مخرجا في مكتبها في دمشق يوم اعتقل. 

قرأت الشريط الإخباري.. لا جديد.. ثلاث سنوات من كتم خبر اعتقاله.. يتبعها كتمان خبر استشهاده ! ما فاجأني أن البرنامج الذي كان يبث على القناة في فترة الظهيرة كان يتحدث عن الاسرى. 

الضيف هو مدير نادي الأسير الفلسطيني والمذيعة تسأله عن تعمد التعتيم على أخبار بعض الأسرى! 

تلاه تقرير يعدد الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.. انتهاكات ليس فيها الموت جوعا.. ليس فيها إطفاء السجائر بالأعين.. ليس فيها التعليق من الأيدي لأيام حتى يتفسخ اللحم وتتمزق الأعضاء من جذورها.. ليس فيها ازدحام المئات في مساحة تضطرهم للنوم وقوفا لأشهر قبل الموت.. ليس فيها فتح الرصاص على السجناء وترك القتلى والجرحى بين بقية السجناء لأيام لإيذائهم برائحة الجثث وأنات الجرحى.. ليس فيها بتر أعضاء الأطفال.. ليس فيها عشرات الآلاف من الصور التي نشرت لفنون التعذيب وألوانه.. ليس فيها أبدا الموت تحت التعذيب الذي يعلم الله وحده أي لون من ألوانه قد أزهق حياة الزميل بلال. 

لا أقصد أبدا أن أقلل من شأن الانتهاكات الإسرائيلية أبدا هي مدانة دون شك لكنني كنت أول من نشر كلمة ‘ودونا عند اليهود’ التي قالها ذلك المسن الفلسطيني في المخيم الأكبر للفلسطينيين في العالم مخيم اليرموك حين عاش وطأة تجويع النظام السوري حتى الموت.. وما من كلمات توضح فهم المقارنة أكثر منها. 

كما أنني لا أقصد صرف الحديث عن النظام السوري الجاني الحقيقي في الجريمة.. ولكن بلال ليس حالة جديدة في جرائم النظام.. فهو رقم بين عشرات الآلاف من أرقام الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب ممن وثقت موتهم المؤسسات الحقوقية.. كنت قد راسلت منظمة ‘مراسلين بلا حدود’ قبل عامين للسؤال عن سبب غياب اسم الرئيس السوري بشار الأسد عن قائمة صيادي الصحافيين التي تنشرها المنظمة على موقعها.. جاءني جواب المنظمة أن الغياب فني على الموقع فحسب وإلا فإن الأسد اسم ثابت في القائمة منذ العام 2007 

لا جديد في جرائم النظام بحق الصحافيين التي لا تلقى أكثر من إدانة الشبكات الصحافية والمؤسسات الحقوقية العالمية بين يدي إغفال المجتمع الدولي وصمته. 

الجديد أن يسجن صحافي لسنوات ثلاث ثم يقتل تعذيبا في سجنه دون أن يجد ذلك كله متسعا ولو في خبر عابر على شاشة ‘المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها. 

سبق أن تواصلت عبر الهاتف مع مدير قناة ‘فلسطين اليوم’ الدكتور أنور أبو طه قبل نحو عامين في شأن اعتقال الزميل بلال وطالبته بموقف أخلاقي تلتزم فيه عادة كل المؤسسات الإعلامية… أجابني بأن القناة لم توقف راتب بلال خلال فترة اعتقاله… أصابني جنون الغضب وسألته عن نفع الأموال لطفلي بلال حين يأتيهم أبوهم جثة هامدة وهو من أدرى الناس بانتهاكات النظام كما حدثني بنفسه ذات مرة افتخر فيها بصداقة تربطه بالأستاذ فايز سارة ومعارضين سوريين آخرين. 

تواصلت بعدها مع مسؤولين في حركة الجهاد الإسلامي وأخبرتهم خبر بلال… وسألتهم عن اسم الإسلام الذي تتكنى به حركتهم.

ما أعلمه يقينا أن هذا الإسلام يحفظ حرمة الإنسان وحياته وحريته أيا كان… فضلا عن حفظ حرمة المسلمين وحياتهم… ما أعلمه أن ‘سايكس بيكو’ ليست في تشريعاته ليكون همّ الحركة حكرا على الأسرى الفلسطينين. طالت تساؤلاتي تلك على الهاتف قبل أن تنتهي المكالمة بوعد بمتابعة موضوع بلال… عقب المكالمة بدقائق قليلة اتصل بي الدكتور أبو طه ليبلغني أن الحركة قررت أن تتحرك مع النظام وسنسمع أخبارا مبشرة… لكننا لم نسمعها!

لا أظن أن ما حدث هو عجز القناة عن التواصل مع النظام فهي واحدة من قنوات تعدها أصابع اليدين من التي يسمح لها بالوجود الإعلامي في مناطق النظام. 

كما أن اسم القناة لا يعني أنها متخصصة بالخبر الفلسطيني فحسب ليكون الزميل بلال خارج حساباتها فهي تنقل معظم الأخبار السورية وتوزع مسمى الشهادة على قتلى النظام ومسمى القتلى على بقية ضحايا الثورة. 

ولعل غياب اسم الزميل بلال عن القناة منذ اعتقاله أوضح حقيقة لكل التفاصيل التي اعتبر فيها بلال شأنا سياسيا مخجلا للقناة أمام نظام الأسد لا شأنا إنسانيا ومهنيا أخلاقيا. 

من المهم لقطع الجدل أن أوضح أنني استقلت من قناة ‘فلسطين اليوم’ في شهر نيسان/ابريل 2011 وكنت أعمل فيها معدا ومقدما للبرامج احتجاجا على سلبية القناة من التعامل مع أخبار الانتهاكات في سوريا بعد اندلاع ثورتها وعلى محاولة إدارة القناة فرض قيود على نشري لحقائق تلك الانتهاكات التي تحدث في سوريا وهو أحد حقوقي كصحافي محايد يحق له تداول الأنباء بشفافية.

لكنني خرجت يومها بعلاقة ودية مع إدارة القناة تحترم اختلاف الرأي وتنوعه… ولم يسبق لي أن نشرت أي شيء سيىء بحقها وليس لي معهم أي حقوق أو خلافات شخصية… لكنني أتمنى، بعد تسييس خبر الزميل بلال وتغييبه عن شاشتهم أن تمحى من سيرتي الذاتية تلك الفترة التي عملت فيها مع هذه القناة من الأيام الأولى لتأسيسها.