منابر الجمعة ولاؤها لله عز وجل ولرسوله عليه السلام
منابر الجمعة ولاؤها لله عز وجل ولرسوله عليه السلام توالي من والاهما وتعادي من عاداهما ولا تخشى في الله لومة لائم
أثار موضوع تجاسر متزعم ما يسمى بحراك الريف على منبر الجمعة بأحد مساجد مدينة الحسيمة ردود أفعال متباينة لدى الرأي العام المغربي، وإن كانت موجة الاستياء من هذا الفعل أكبر من حركة الانحياز للفاعل . ومع أن غالبية المغاربة لا يقبلون المساس بحرمة وقدسية بيوت الله عز وجل ، فإن بعض الأفراد ومن منطلقاتهم الإيديولوجية ذات الحساسية الواضحة من الدين والمعبر عنها بشكل علني في أكثر من مناسبة يحاولون إسقاط القدسية عن المساجد من خلال استهداف منابر الجمعة التي تتهم بأنها مسخرة من طرف الدولة المستغلة للدين على حد تعبيرهم . ولا بد في البداية من وضع النقط على الحروف بخصوص علاقة الدولة بالمساجد ، فالدولة المغربية دولة تدين بدين الإسلام بل أكثر من ذلك فيها إمارة شرعية للمؤمنين من مهامها حماية حمى الملة والدين وحماية حمى وحوزة الوطن ، ولا يمكن أن يزايد أحد على الدولة في تنزيل حماية إمارة المؤمنين لحمى الملة والدين ، ولا يمكن اعتبار وجود وزارة مكلفة بالشأن الديني وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وزارة مستغلة للدين على حد تعبير الذين يلوحون بهذه التهمة في حقها . ومعلوم أن دستور المملكة يضع على رأس بنوده التصريح بأن الإسلام هو دين الدولة الرسمي ، ومعلوم أن هذا الدستور قد صادق عليه جميع المغاربة ، ولا يقبل من أحد التنكر لكون الإسلام هو الدين الرسمي ، ويترتب عن ذلك أنه لا يمكن الطعن في الدولة التي تتكفل بحماية وحراسة دين الأمة المغربية عن طريق وزارة وصية عليه ليس بالمعنى القدحي أو السلبي بل هي وصية على تطبيق تعاليمه ومنع المساس بها بأي شكل من الأشكال ، ولا يمكن لجهة مهما كانت أن تسد مسدها في ذلك ، فإن فعلت فإنها تكون قد تطفلت على مهمة ليست من اختصاصها ولا من حقها . ولا يمكن أن يفهم من إصدار الوزارة المكلفة بالشأن الدين بين الحين والآخر مذكرات تهيب فيها بخطباء الجمعة لطرق بعض المواضيع التي تمليها ظروف الوطن والمواطنين أو تزودهم بخطب منبرية في بعض المناسبات أنه استغلال للدين . ومعلوم أن خطبة الجمعة إنما سنها الله عز وجل لتعالج القضايا الطارئة على الأمة ليكون سلوكها منسجما مع ما شرع لها الخالق سبحانه وتعالى ، لهذا لا يعقل أن يعاب على الدولة من خلال الوزارة التي تكلفها بالشأن الديني أن تأمر خطباء الجمعة بتناول قضايا تحتاج فيها الأمة إلى تنوير . وقد يختلف الخطباء في تناول قضية من القضايا باختلاف مستوياتهم العلمية ولكنهم لن يخرجوا عن إطار الشرع في تناولهم . فما العيب في أن تحل مناسبة دينية أو وطنية أو جهوية أومحلية أو دولية تمس أحوال الأمة وتتناولها منابر الجمعة وهي الجهة المؤهلة شرعا لتناولها حتى لا يخضع تناولها لعبث العابثين ويخوض فيه كل من هب ودب بغير علم . ومعلوم أن الخطابة المنبرية في بلادنا تضبطها ضوابط لا يمكن الخروج عنها وهي التزام العقيدة السنية الأشعرية والمذهب الفقهي المالكي والطريقة الصوفية الجنيدية وهي خيارات التدين المعتدل الملتزم بتعاليم الكتاب والسنة . ولا يمكن للخطابة المنبرية أن تخرج عن هذه الضوابط ، والدولة هي المسؤولة عن مراقبة احترام هذه الضوابط عن طريق الوزارة المكلفة بالشأن الديني . ولا يمكن اعتبار توقيف ومنع بعض الخطباء الذين لا يحترمون هذه الضوابط انتقاما منهم كما يزعم البعض . فلو أن الوزارة المكلفة بالشأن الديني غضت الطرف عن عدم احترام هذه الضوابط لسادت الفوضى عقديا وفقهيا وسلوكا ، وهو ما يدخل الأمة في فوضى عارمة . ولهذا تلجأ الوزارة إلى منع أو توقيف بعض الخطباء بين الحين والآخر لخروجهم عن الضوابط الشرعية ، وهو قرار لا يمكن الطعن فيه والتشكيك في مصداقيته، علما بأن الخطباء ليسوا معصومين من الوقوع في الخطإ، فقد يرد في خطبهم ما قد يعود بالضرر على أشخاص أو هيئات أو مؤسسات كان النصح أولى لهم من التعريض بهم وفضحهم ، وهو أمر لا يجيزه الإسلام الذي يقدم درء المفاسد على جلب المنافع . ولا يعني هذا السكوت عن المنكر وتعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي مهمة منابر الجمعة دون غيرها، بل لا بد من التزام الشرع في ممارسة هذه الفريضة ، والجهة المخول لها تحديد طريقة هذه الممارسة هي الوزارة المكلفة بالشأن الديني عن طريق مجالسها العلمية التي تحدد لخطباء الجمعة كيفية ممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد يبالغ بعض الخطباء في ممارسة هذه الفريضة تحت تأثير الحماس الخطابي، فتكون النتائج عكسية ويتخذ أهل المناكر من ذلك ذريعة لتعطيل فريضة فرضها الله عز وجل لصيانة الأمة من الانحرافات . وتحرص الوزارة الوصية على الشأن الديني أن تكون الموعظة الحسنة هي أسلوب الخطباء في توجيه الأمة وتبصيرها بأمور دينها ودنياها . وقد يرى بعض من يستهويهم التشدد أن الوزارة تتراخى في أمر الدين من خلال دعوتها الخطباء إلى اللين في تبليغ الدين ، وتظن بهؤلاء الخطباء الظنون ، ويوصفون بأنهم أتباع أو أذناب من يسمونهم علماء السلطة إذا هم التزموا بأسلوب الموعظة الحسنة . ويريد البعض أن تكون منابر الجمعة بالضرورة على خلاف مع الدولة لا شغل لها سوى تتبع ما تقوم به بالنقد والتجريح . ولا يعتبر الخطيب خطيبا عند هؤلاء إلا إذا اتخذ الدولة هدفا في خطبه يتتبع أعمالها بالنقد ليطربهم بذلك ، فإذا ما نبه الناس إلى عيوبهم طعن في مصداقيته ونعت بأنه خطيب الدولة وخادمها . وقد ينصرف الناس من خطب الجمعة يشيدون بصولة وجولة الخطباء وهم ينتقدون الدولة ،ولكنهم قد يخرجون ساخطين عليهم إذا هم لم يفعلوا ذلك . وقد تستهوي بعض الخطباء المدائح التي يكيلها لهم المعجبون بحصر مواضيع خطب الجمعة في انتقاد الدولة مع غض الطرف عن أخطاء الأمة ،فيرخون الأعنة لخطبهم التي توصف بالنارية والجريئة والشجاعة ، فإذا ما أعفتهم الوزارة المكلفة بالشأن الديني درءا للمفسدة أو الفتنة من مهمة الخطابة ،اعتبروا أبطالا لبعض الوقت، وسرعان ما يطويهم النسيان . ولا يجب أن يفهم من هذا الكلام أن الوزارة كانت دائما مصيبة في قراراتها بعزل الخطباء ،بل قد تكون أحيانا تلك القرارات متسرعة ، وفيها بعض المبالغة ، وربما يكون ذلك بسبب تقارير غير دقيقة أو حتى متحاملة تحمل الوزارة على تنكب الحرج الذي قد تتسبب فيه بعض الخطب لسوء فهمها أو سوء تأويلها . ولا تتردد الوزارة في منع استغلال منابر الجمعة لفائدة طائفة أو حزب أو هيئة حتى أنها تفرض إجازة إجبارية على الخطباء الذين تكون لهم ميول حزبية أو سياسية خلال الاستحقاقات الانتخابية للحيلولة دون استغلال منابر الجمعة لدعاية حزبية . والغالب أن ولاء منابر الجمعة يكون لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم إذ لا ينزه فوقها إلا كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه السلام . ولا توجد جهة تثق فيها الأمة أكثر من منابر الجمعة لارتباطها بالكتاب والسنة وبالله عز وجل . والأمة بفطرتها وفطنتها تميّز بين الحق والباطل ما لم تركب أهواءها . وإذا ما أخذنا خطبة مسجد الحسيمة كمثال نلاحظ أن تناول الخطيب لموضوع الفتنة كان واجبا لأن الجهة تعرف حراكا منذ شهور ولا بد لمنبر الجمعة أن يوجه الناس إلى الصواب وأن يحذرهم من العواقب الوخيمة التي قد تكون وراء حراك يكون سببا في فتنة لا قدر الله ، كما كان من الواجب تعريف الفتنة من الناحية الشرعية حتى لا يقع فيها الناس . ولا يمكن اعتبار ذلك وقوفا إلى جانب طرف على حساب طرف آخر . ومعلوم أن تناول موضوع الفتنة فوق منبر الجمعة يعني كل الأطراف لحملها على تجنبها . وكان على متزعم الحراك إذا كان يرى نفسه وحراكه مستهدفا في الخطبة أن يرفع شكاية إلى الجهات المسؤولة وعلى رأسها الوزارة المكلفة بالشأن الديني المؤهلة للحكم على خطبة الخطيب عن طريق أجهزتها العلمية ، ولا يدفعه حماسه الذي لم يهدأ لشهور إلى ضرب الضوابط الشرعية والقانونية عرض الحائط والجرأة غير المسبوقة على منبر الجمعة، وهي جرأة على الدين وعلى مشاعر الأمة الدينية وعلى سلطة الدولة وعلى إمارة المؤمنين . ولو أجيز على تجاسره كما يرى الذين يدافعون عنه عصبية، لجازت الجرأة على منابر الجمعة لكل من لم ترضه خطبها ، فيحتج شارب الخمر على تناول الخطبة حرمة شربها ، والزاني على إدانة الزنا ، والمرتشي على إدانة الرشوة ... وهلم جرا ، وتتحول منابر الجمعة إلى ما يشبه ما كان يعرف ببرنامج ما يطلبه المستمعون حيث يستجيب الخطباء لأهواء الناس ،فلا ينكرون منكرا ولا ينصحون مخطئا ولا يهدون ضالا . وخلاصة القول أنه يتعين على الوزارة الوصية على الشأن الديني وعلى الدولة أن تصون حرمة منابر الجمعة من مثل سابقة متزعم حراك الريف ،وأن تضع حدا للاستخفاف بهذه المنابر وبمن يعلوها وبمن يشرف عليها . ولا بد من خطّ خط أحمر لصيانة منابر الجمعة لا يجوز لأي كان أن يقربه لأن الأمر يتعلق بحرمة وقدسية دين الأمة . وكل تجاسر عليه هو تجاسر على رب الأمة وعلى الأمة .
وسوم: العدد 722