الملفُّ السوريّ بين مساعي التهدئة، و محاولاتِ خلطِ الأوراق

يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ الملفّ السوريّ غير مسموح فيه الدخولُ في الفوضى؛ نظرًا لوقوعها بين عددٍ من الدول، التي لا تحتمل أيَّ تشظٍّ فيه، سواءٌ أكان مَبعثَ القلق من الدول الراعية، أو من الدول ذاتها.

 و لاسيّما إسرائيل التي لا تخُفي هواجسها من تداعيات ذلك؛ لذلك كانت حاضرةً في المباحثات التي شهدتها ( عمَّان ) على مدى الأسابيع الماضية، بمشاركة فاعلة من الروس و الأمريكان للبحث في تهدئة المنطقة الجنوبية، و وضع إطار عام للمنطقة الآمنة فيها.

 و ذلك لضمان أمن حدودها الشمالية، و قد كانت حريصة على مسألة إبعاد الإيرانيين و ميليشياتهم بالدرجة الأساس عنها، خشية وقوعها تحت دائرة الابتزاز الإيراني.

 و من هنا جاءت الضربات المتوالية ( مرتين ) لقيادة جيش خالد بن الوليد ( المبايع لداعش )، و مقتلهم ( قائدًا و صفًّا أول )، كونه إحدى الأوراق التي رمى بها النظام و حليفه الإيرانيّ في معركة درعا، سعيًا للوصول إلى الحدود الأردنية، و من ثمّ الإسرائيلية؛ كي تكون ورقة ضغط بيدهما، في حالة الجلوس للحلّ السياسيّ.

و ضمن هذه الهواجس ينبغي أن تقرأ الجهود الحثيثة لتثبيت حالة تخفيض التصعيد، بتحرّك روسيّ ـ تركي، و مباركة أمريكية، و خضوع إيرانيّ، و حملٍ للنظام، تحت طائلة العزل و التهميش، من خلال التلويح بملف الجرائم  الكيماوية، الذي يفتح بين الحين و الآخر، و قد كان آخرها في مجلس الأمن قبل يومين: 28/ 6، و التلويح الثلاثي ( الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني ) بردٍ قاسٍ في حال إقدامه الأسد على استعماله مجددًا.

 و هو الأمر الذي جاء بعد زيارة الأسد لبعض منازل مواليه في ريف حماة، ثاني أيام عيد الفطر: 26 حزيران، للتغطية على الزيارة السرية لموقعٍ يعدّ من أشدّ المواقع حساسيةً من الناحية العسكرية بالنسبة للنظام و حليفه الإيراني، في منطقة محصنة شرقي بلدة بانياس، ضمن واد سحيق وعر التضاريس، يعرف باسم ( وادي جهنم )، بوشر ببنائه قبل سنة تقريبًا، و يتوقع الانتهاء منه في نهاية العام الجاري، و يخضع لإشراف إيراني مباشر، و يحوي على منشأة لتطوير و إنتاج الصواريخ بعيدة المدى، فضلاً على مراكز بحثية لإنتاج الأسلحة الكيماوية، موضحة أنّه عقد خلالها اجتماعًا موسعًا مع عدد من الخبراء الإيرانيين و السوريين، استغرق نحو ساعتين.

و ترجّح تلك المصادر أنّه قد تمّ التطرق فيه إلى القيام بضربة في منطقة درعا، اِنتقامًا للخسائر الجمّة التي لحقت بهما مؤخرًا هناك.

 و قد أخذ الأسد و الإيرانيون الرسالة على محمل الجدّ، مثلما أخذا الرسالة ( الروسية ـ التركية ) بشأن إرسال قوات فصل من ثماني دول إلى مناطق خفض التصعيد، و من بينها قوات تركية إلى محافظة إدلب.

لقد لاقى أمر مناطق خفض التصعيد، و حالة التهدئة النسبية التي نتجت عنها، حالة من القبول و الرضا من جلّ الحواضن الاجتماعية في تلك المناطق.

 لدرجة أنّ نسبة من السوريين ( 10% )، الذين سمحت لهم تركيا بدخول سورية للمعايدة، و البقاء فيها أربعة أشهر،؛كي تغريهم بالبقاء فيها، على خلاف المرات السابقة، التي ما كانت تتعدى شهرًا واحدًا، قامت بتسليم بطاقات الإقامة ( الكيملك ) للجانب التركي، تمهيدًا للبقاء و الاستقرار في سورية، و معظمهم من الحلبيين، الذين فضلوا العودة إلى مدينتهم رغم حالة الاستقرار الهشة التي تعيشها.

و يرى هؤلاء المراقبون أنّ حالة الرضا التي أعقبت هذه التهدئة، في تزايد واضح، لدرجة أنّ كثيرًا من أبناء محافظة إدلب قد أصابهم الاِكتئاب عند رؤيتهم طائرات الاستطلاع، تعاود التحليق بعد فترة انقطاع، طيلة شهر رمضان.

و هو الأمر الذي انعكس سلبيًّا على المواقف التصعيدية من هيئة تحرير الشام و حزب التحرير، إزاء الاستعدادات التركية لدخول إدلب كقوات فصل تنطلق من جبل الشيخ بركات، نحو منطقة الراشدين غرب حلب، و انتهاء بريف حلب الجنوبي، مع قيامها بالإشراف غير المباشر على معبر باب الهوى، و إعادة تنظيمه وفق ما يخدم وجودها.

 هذا و قد لوحظ أنّ مؤشرات الرضا من الحواضن الاجتماعية، عن التصريحات الصادرة عنهما قد بدت متدنية هذه المرة؛ الأمر الذي يُنِبئ عن حالة من التذمّر المتزايد تجاههما، و قد أعلنت كثيرٌ من الفصائل أنّها ستقف على الحياد في حال تصدّي الهيئة للجنود الأتراك، و أنّها ستتركها  لوحدها كي تواجه قدرها المحتوم.

و قد تعاملت الأحرار مع هذه المتغيّرات في الملف السوريّ بكثيرٍ من الواقعية، و جاءت استدارتُها الأخيرة متساوقة معها، و قد أبلغَتْ الجانبَ التركيّ عن قبولها، لا بلْ مشاركتها، في الخطوات التي ستُتخذ في غضون الأسبوعين القادمين، سواء على الصعيد السياسيّ التفاوضيّ، أو الميدانيّ الاجرائيّ ( المتمثل في تثبيت حالة التهدئة، و دخول قوات الفصل الدوليّة ).  

وسوم: العدد 727