( خرج من وطنه الحبيب راكباً البحر طلباً للهجرة بعد أن عاش تحت وطأة البطالة سنوات ، ولكنْ داهمه الغرق فمات غريباً قبل أن يصل إلى مبتغاه )
غلَبَ الهوانُ مشاعري و فؤادي = فلتعذروني إذا هجرتُ بلادي
ناديتُها وأنا المحِبُّ ترابَها= إني عشقتكِ فاسمعي إنشادي
هذا ترابُكِ إذ يعفِّرُ جبهتي = فرْشي ، أراوح ُ لثمَهُ و أغادي
من ماءِ نيلكِ كم تضلَّعَ ظامئٌ = رِيّاً وها أنا ذا ابن ُ بطنِكِ صادِ
وطعمتُ خبزكِ بالهوان مغمّساً = بأنين قهرٍ حاكَ كلَّ فسادِ
إني رأيتُ الشرَّ كشَّر وجهَهُ = وأبانَ فيكِ ضراوةَ الأحقادِ
إني أكابدُ في أسايَ مواجعي = ألتاعُ بين متاعبي وسُهادي
عشتُ البطالة َ كم أكابدُ نارَها = مِن غيرِ ما مأوىً أرى أو زادِ
ثاوٍ بليل الخوفِ ينهش أضلعي = وأنا أخافُ مِن العِدا إرصادي
ما عادَ لي أمَلٌ بأرضكِ إنما = أملي هنالكَ في حياة ِ فؤادي
وقد اتجهتُ إلى البحار فربما= من خلفها يبدو سنا إسعادي
ما خفتُ مَوجَ البحر لاح لأعينٍ = مقرورةٍ بالنفي و الإبعادِ
ماذا ترى من موطنٍ هامت به = حُبّاً ، و فيهِ البؤسُ شرُ حصادِ ؟!
إني فررتُ من المنيَّةِ عاشقاً= سِحْرَ الحياةِ ، وما الفناءُ مُرادي
كم ذا أحدّثُ بانتهاء مواجعي = حُلماً أدندنُ حولهُ فأنادي
يا مِصْرُ إني قد هجرتكِ مُكْرَهاً= حتى أحطِّمَ قاهراً أصفادي
والآن فوق الماء تطفو جثتي= تشكو إلى الرحمن جُرْم العادي
فلئن قضى ربّي عليّ مَنيّتي = بالراحة ِ الكبرى أرى ميعادي
يا مِصْرُ إني قد أرَدتُّكِ جنّةً = وأرادَكِ الطاغونَ أرضَ فسادِ
أهْدِي إليكِ وصيَّتي مكتوبةً = بدمي أفيقي أنتِ خيرُ بلادِ