وفي 12/2 يوم الأربعاء 1986 وبينما كنا جالسين في العنبر 34 بعد تناول الفطور أذيع اسم الأخ أحمد كسار المصري من حماة إلى الإعدام، وكان أعرجاً وعندما أذيع اسمه إلى الإعدام وتهيأ للقاء الله أخذ يضحك ضحكاً عجيباً وجهه يتورد بالإحمرار وخرج إلى الإعدام بأحلى صورة فرثيته بهذه القصيدة وفي 18/2 يوم الثلاثة بعد ستة أيام أذيع اسما الأخوين سمير باشوري من حماة، ومنذر عبد الرحمن عيسى من اللاذقية إلى الإعدام فرثيتهما بهذه القصيدة تباعاً:
نم في ثراك على النشمي منتبهاًوإن رحلت فباق ذكراك العطر
عهداً سنرثيك في يومٍ وننتصر=يأتي عليهم فلا يبقى ولا يذر
والأرض تهتز والرايات خافقةٌ=والجو في حمم النيران ينهمر
لن يشتفي القلب أو يروى لنا ظمأ=أو يرغد العيش أو يقضي لنا وطر
حتى نرى منهم الهامات طائرةً=وأن نرى الجبل المشؤوم يستعر
سحق وصلب وإفناءٌ لحلتهم=حتى كأنهم في عصرنا خبر
والموت يهجم كالحطاب يحصدهم=بغابةٍ قد ذوى في حقلها الشجر
ولا تظن أبا كسار لوعتنا=على القوافي ونظم الشعر تقتصر
بل إن ذكراك في الأذهان خالدةٌ=ويكلم القلب في الذكرى ويعتصر
خرجت قفزاً برجلٍ منك واحدةٍ=ولا ارتياعٌ ولا خوفٌ ولا خور
ونحن ما بين مذهولٍ ومضطربٍ=مثل السكارى وغاب السمع والبصر
درب أصيل سلكناه ومن قدمٍ=وليعلم الكون والتاريخ والبشر
ذكرى الرجيع وبدر قبلها سلفت=والقادسية واليرموك والجسر
بل الشهادة تهوانا ونعشقها=من فجر دعوتنا فليهنك الظفر
بجنة الخلد وازدانت بمقدمكم=وأينع النخل والرمان والثمر
والحور زفت ورضوانٌ يصافحكم=كما ترامت على واحاتها السفر
نزلت ضيفاً على ربي بجنته=ودونك الخلد والديباج والسرر
بلغ سلامي إلى الإخوان قاطبة=وخص منهم شباباً بت أدكر
طول النهار وعند النوم أذكرهم=وفي حديثهم يحلو لي السمر
مساعد يا أبا كسار أو لهم=فإن ذكراه في قلبي لها أثر
وما ذكرت من الأخلاق مكرمةً=إلا ولاح خيال منه أو صور
وحي فيه على النشمي وفي لهف=أخبره أن شباط الثأر ينتظر
في ذلك الشهر لن أنسى مواقفكم=أبا شريف إلى أن ينقضي العمر
وما حماة غداة الروع إذ هجموا=إلا الأعاصير والبركان ينفجر
كم مات قوم وقد عاشت مكارمهم=وأنت منهم وفيك الحرب تفتخر
أطفالك البرء في قلبي مدارجهم=عهداً علي وإن غابوا وإن حضروا
وهيثم الشيخ القروني فجيعته=عبر السنين وفيها الحقد مختمر
لأنه مات حموماً بمهجعه=دون الدواء وقلب الكل ينفطر
وإن رأيت أبا زغراد مغتبطاً=زهر الربيع إذا ما بله المطر
ولا النسيم عليلاً في أصائله=يرف فوق رياض دونها النهر
والطير تشدو على واحاتها طرب=والعطر يعبق فواحاً وينتشر
أخي بتدمر والصحراء تجمعنا=وقد تجلت لك الآيات والعبر
سكوت خصمك لا تخدع به أبداً=إن طال حيناً ففيه يكمن الخطر
إن النصيري فرع من نبي سبأٍ=رجسٌ حقود دنيء الأصل منحدر
ومن خلال مآسينا أقول لكم=تنبهوا يا أولى الأبصار واعتبروا
ولم يمر سوى سبعٍ وفاجأنا=يوم الثلاثاء ذاك المجرم القذر
يتلو على الباب أسماءً محاكمةً=والأرض مادت وجو السجن يعتكر
والحبل يدنو وريح الموت قد عصفت=والعود ينصب والجلاد ينتظر
وقام منذر يوصينا ويخطبنا=والوجه الكورد نعم الشم والنظر
وناظراه كماء البحر لونهما=ومن ضياءٍ وحسن يخضع القمر
باشور يا طيب الأخلاق يا بطلاً=خفقت كالنسر للأعواد تتبدر
ورحت تسمع للقرآن في طرب=وفي المقام تطيب الآي والسور
ضج الجميع بترجيعٍ وحوقلةٍ=والقلب يهتز مصدوعا وينشطر
بل كدت أفضي إلى الرحمن من ألمي=على الزهور ببطن الرمل تندثر
رزءٌ عظيم ألفناه على مضضٍ=وكاد في السجن لا يستغرب الخبر
تلك المجازر تربوا أن يحيط بها=نظم ونثر ولا قول ولا فكر
يضيق نيرون ذرعاً في فظاعتها=ويصعق الخلق والتاريخ والعصر
وقلت يا شعر أسعفني بمرثيةٍ=فإن جرحي بكى في عمقه الهجر
فزمجر الشعر حتى قال في غضبٍ=إني سأستل سكيناً وأنتحر
فقلت يا شعر سامحني على طلبي=وعدت أجمع أوراقي وأعتذر
رحماك ربي فكم أهلكت طاغيةً=عبر القرون طغى إذا جاءت النذر
فأصبحوا قصةً تروى وموعظةً=طوتهم صفحة بل ضمهم سطر
زالوا أو انطمسوا في أرض معركةٍ=ومزقتهم سباع الوحش والصقر
أين الفراعين والأنهار تحتهم=تجري وما شيدوا في مصر أو عمروا
وتلك أجسامهم للعين بارزةً=وشاه إيران للباغين معتبر
إليك أشكو بسجني ما أكابده=وأنت يا حي يا قيوم مقتدر
أن تأخذ المجرم الطاغي وشيعته=فقد طمى الخطب والإسلام يحتضر
فإنهم شر هذا الناس مجتمعاً=شعبٌ هجين وخلق ما رق أشر
لا دين لا مبدأٌ ينهى ولا خلق=وبالمبادئ والأخلاق قد كفروا