تكاثر الشيب عليَّ فرأيت فيه البشير والنذير معاً.
أهابَ بك الشيبُ يا حيدرُ=يناديك أقصرْ فهل تقصرُ
ولا يخدعنّك زيفُ الحياة=فما هي إلا سنا يعبر
تسوّف والعمر ماضٍ إلى=مداه القريب ولا تشعر
تهيم بشيءٍ على بعده=وتصدفُ عنه إذا يحضر
وتزهد في النعميات أتين=إليك وهنّ المنى تزهر
فنعمى تنافس أختاً لها=وتحتار أنت مَنِ الأنضر
وتغفل عنهن لا عن قِلى=وذاك الجحود الذي تنكر
لتعدوَ خلف السراب الكذوب=وقد خِلْته البحر إذ يزخر
أَوَكَّلكَ الطمعُ الأشعبي=بما غاب عنك وما يندر
وتطلب ما قد يكون الأذى=وتعشق غير الذي تنظر
وتلهث تطلب غير المباح=وغير المتاح ولا تصبر*
تخادعك النفسُ فيما اشتهتْ=وشهوتها الفاتك الأغدر
وقد يسكن الشر فيما طلبت=وربَّ جميلٍ هو الأخسر
وقد يسكن الخير فيما زهدت=وإن الغيوب بنا أخبر
فهلَّا رضيت فإن الرضا=أبر من الغيم إذ يمطر
وأبصرت حولك سرب النعيم=فهذا طهور وذا أطهر
وهلَّا أنبت إلى مَنْ حباك=وقمت تصلي وتستغفر*
إذا المرء أعمته أهواؤه=وعاش يلوم ولا يشكر
غدا للسفاسف تجتاله=ويزري به ذلها الأغبر
وعاش محابسه نفسه=فيَشْقى ويُشْقي ولا يبصر
ومات كما عاش حِلْس الهوان=وذاك به الأليق الأجدر
ودون الأماني فخاخ الردى=وبعد الردى محنة أكبر
فَناجٍ ومُودٍ وأين الفرار=وقد عجَّ في هوله المحشر*
تخلصْ من العجز والمغريات=ومن سوف أفعل يا حيدر
وأَلْقِ الزيوف وكنْ حاذراً=فقد أدرك الفوز من يحذر
وخيرٌ من العمر مهما استطال=جنانٌ تنادي الورى شمّروا
تَوَخَّ إليها أجلَّ الدروب=فقد يخطئُ الدربَ مَنْ يعبر
وفي المرء «جبريل» إنْ يستقمْ=وإن ضلّ «دجاله» الأعور