أَسرى !
هذه القصيدة : كُتبت قبل نصف قرن ، ونُشرت .. ونعيد ، اليوم ، نشرها ، في العيد الخمسين ، بَعدَ نشرها الأوّل ؛ تلبية ، لطلَب بعض الإخوة الأحباب .. ولنرى ؛ هل اختلفت مضموناتُها ، عمّا هو جارٍ، اليوم ، في سجون أصحاب الشهامة ، والنخوة ، والأصالة العربية !؟
العيدُ يَطفَحُ بالمَسَرهْ والذكرياتُ تَهُبّ مُرّهْ
عن ليلةٍ ، نفَضَ الزَمانُ، بها،على الأكوانِ، سِرّهْ
فالبَدرُ كابي الوَجهِ ، مُنتَهزٌ، مِن الظَلماءِ، غِرّهْ
بَردانُ ، مُرتَعدُ الفرائصِ ، والكَواكبُ مُقشَعرّهْ
والغَيمُ تَنثرهُ ، مِن الألمِ ، ارتِعاشاتُ المَجَرّهْ
والريحُ تَقذِفُ بالرذاذِ ، على الوُجوهِ المُكفَهرّهْ
***
وسَريّةُ الأَسرى تَمايَلُ ، يَمنَةً ، حيناً ، ويَسْرَهْ
لا الأرضُ واضحةُ المَعالمِ ، لا ، ولا الاقدامُ حُرّهْ
والغُرفةُ الرَبداءُ ، داكنةُ المَلامحِ ، مُشمَخِرّهْ
جَمَدَتْ ، على حَنَقٍ ، وقد ألقَى بها ، كانونُ صِرّهْ
وتَجهّمتْ ، تَرمي الضُيوفَ ، بنَظرةٍ ، مِن بَعدِ نَظرهْ
فإذا أحاطَ ، بهمْ ، سُرادِقُها - وَقانا اللهُ شَرّهْ -
شَهَرتْ لَهمْ أَظفارَها وكأنّهم أبناءُ ضُرّهْ
وتَكشّرت فيها ، وُجوهُ الغَدرِ، عن أنيابِ هِرّهْ
***
أسرى! وتَختلِجُ الضُلوعُ ، مِن الشُجونِ المُستَسِرّهْ
أسرى! وفي أيّ البلادِ ، وما لَهمْ ، بالأَسْر،ِ خِبْرَهْ !؟
أسرى! وهلْ يَهَبُ الأسيرُ حَياتَهُ ، مِن أجلِ فِكرَه !؟
حُبّاً بسَطرٍ ، في كِتابٍ ، باعَ هذا الشَيخُ عُمْرَهْ !؟
أوَ ما دَرَى ، أنّ الغَنيمةَ : حَبْلُ مَشنَقةٍ ، وحُفرَهْ !؟
مُتمرّدٌ !؟ مُدُّوهُ ، تَحتَ السَوطٍ ، كيْ يَجتاحَ ظَهْرَهْ
داوُوهُ ، بالتَيّار، كيْ يَنسى تَمرُّدَهُ وكِبْرَهْ !
***
وليَستفدْ هذا الغُلامُ الجاهلُ ، المِسكينُ ، عِبْرَهْ
إنْ كان أسكَرَهُ الغُرورُ، فإنّهٌ سَيَعافُ سُكرَهْ
لا لا !؟ وتَرفُضُ ، ياغُلام !؟ أبَثَّ فيكَ الشَيخُ ، مَكرَهْ !؟
مَرحَى ! فسوفَ نُزيحُ ، عنكَ ، ظِلالَهُ ، ونُزيلُ سِحرَهْ :
هل تَشتَهي الدِفءَ اللذيذَ ، تَعُبُّ ، فيه ، كؤوسَ خَمرَهْ ؟
أمْ تَبتَغي حسناءَ فاتنةً ، تُنادِمُها ، بسُحرَهْ !؟
عَجَباً ! أتَأنَفُ ، طائِعا ،ًهذيْ المُنَى ، أم أنتَ مُكرَهْ !؟
هاتُوا سِواهُ ، فسوف نَدرسُ ، بَعدَ أمْرِ الكُلّ ، أمرَهْ
***
بُوركتَ ، يا ابنَ الأربعينَ ، غُرِرتَ ، أمْ سُخّرتَ سُخْرَهْ ؟
أمْ أنتَ مَجنونٌ ؛ فتَسمُو للصِراعِ ، بغَيرِ قُدرَهْ !؟
صَمتٌ !؟ خُذوهُ ، فرُبَّ تَيّارٍ سَيَجلُو، عنهُ ، عُرَّه (١)
***
وتَوالت الأطيافُ ، في النَفَقِ التَعيسِ ، تَمُرّ عَبْرَهْ
شُمَّ الأنوفِ ، تُحَقّرُ الباغيْ ، وسُطوَتَهُ ، وغَدرَهْ
للمَوتِ ! هلْ في المَوتِ مِن عارٍ، يَخاف الحُرُّ ذِكرَهْ !؟
** *
و يُطِلُّ فَجرٌ دامعُ العَينينِ ، يَحمِلُ ألفَ زَفرَهْ
وتَصُدُّ أعوادُ المَشانقِ ، كلُّ عُودٍ فيهِ حَسْرَهْ
والحَبْلُ ذاو ٍ، أدركتْهُ نَدامَةٌ ؛ فعَلَتْهُ صُفْرَهْ
***
وتَهُبُّ جُندُ البَغيِ ، نَحوَ الفَجرِ، ثمّ تَشُقُّ صَدرَهْ
فتُضَمّخُ الأفُقَ الحَزينَ دِماؤُهُ ، وتَبُلُّ نَحرَهْ
ويَموتُ طَيفُ الفَجرِ، في بَلدٍ يَعُدُّ الفَجرَ ذُخرَهْ
بَلدٍ يُمجّدُ سارِقيهِ ، ولَيلُهُ يَغتالُ فَجرَهْ !
1) العُرّ: الجَرَب.
وسوم: العدد 878