قال الله تعالى : ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ 146/ آل عمران : قال الشيخ الخاني بعد أن تلا هذه الآية الكريمة : لقد ضعف المسلمون لأنهم لم يتبعوا التعاليم المقررة في كتابهم الذي يأمرهم بأن يحتقروا الحياة والمال، وكل عزيز في سبيل الله، ويتحدوا ويعتصموا بحبل الله، ويثبتوا ولا ييأسوا، ويصبروا ولا يتزلزلوا، مهما عظم المصاب وجل الخطب.
وحريٌّ بالأمة أن تنادي أبناءَها ليذودوا عن حماها ومقدساتها ، بل عن وجودها على هذه الأرض المباركة . وكان حقا على الأبناء أن يهرعوا لنجدتها في كل الميادين ، وينفضوا عن سواعدهم أسباب الوهن الذي حذَّر منه رسولُنا صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث الذي رواه ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أمن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت ) هذا الحديث الشريف رواه أبو داود في سنته والبيهقي في دلائل النبوة. واستجاب الشباب الأبرار من أبناء هذه الأمة للنداء ، وبذلوا في سبيل الله أغلى مايملكون ، فأمتهم تستحق الفداء ، وشريعتهم الغراء تستحق التضحيات الغاليات .
وإلى فضيلة الشيخ دندل جبر ـــ حفظه الله ـــ هذه النفحة من بستان الإخاء والمودة التي تحيا بفوَّاحها قلوب المؤمنين بالله رب العالمين .
شريعةٌ ما تجافَتْنَا مراميهـَا = ولا أذَلَّ مُحَيَّانـا أعَاديهَـا
من سدرةِِ المنتهى أنوارُها سطعَتْ = فأكرَمَتْ بِسَناها مَن يُواليها
وهـل لنا غيرُ ماشاءَ الإلـهُ لنـا = فحـالُنا ليس غيرُ اللهِ يُرضيها
نأتْ عن المللِ الجوفاءِ رفعَتُها = وآمنَتْ بالمثاني جـلَّ مُوحيها
وبالتي أورثَ الهادي لأُمَّتِه = فَسُنَّةٌ لـم تزلْ في الدَّهرِ تُحييهـا
( أبا أُسامة ) ما ضلَّتْ مراكبُنا = ولا استنامَ بظلِّ الوهْنِ حـاديهـا
( يادندلَ الجبرِ ) لم يجبرْ خواطرَنا = سوى الذي بالهدى الأسمى يُواتيها
ألــم نجدْها يبابا في مرابعِنا = وقلَّةٌ من كرامِ القومِ تفديهـا ؟
فغالَبَتْنا على نجداتِها فتنٌ = وحاولتْ بالأذى ترمي أمانينا
لكنَّها خُذِلَتْ واللهُ أوردَها = زيفَ السَّرابِ الذي أعمى مآقيها
وباتتِ الغُمَّةُ العميا تُمَحِصُنا = فما وَهَنَّا ، وما رُدَّتْ أياديها !
وإخوةٌ بذلوا للهِ أنفسَهم = وليس يجزعُ يومَ البذلِ باكيها
وغالَبَتْ قسوةَ العادي عقيدتُهم = وجندلتْ سَفَهًا قد رامَ يٌقصيها
وكنتَ في غمرة الشِّدَّاتِ فارسَها = تُزجي مواجعَها من نفحِ واليها
أخا المآثرِ ما لانتْ عزائمُنا = وتشهدُ ( الديرُ ) لاتنسى أهاليهـا
لقد منَحْنَا مغانيها محبَتَنا = وسعيُنا لـم يكنْ إلا لباريها
فنوديتْ لكتابِ اللهِ أمَّتُنا = ومدَّتِ اليومَ في الوادي أياديهـا
لاتستجيرُ بمَن جافوا ومَن جحدوا = شريعةَ اللهِ أو مَن عاشَ يُرديها
وإنَّمـا بشبابٍ زادُهم قيمٌ = من اليقينِ بربٍّ الخلقِ يحميها
فأقبلوا يبذلون الروحَ ما فزعوا = ويومها بلغتْ أعلى تراقيهـا
هذا هشامٌ وقد ألقى بمهجته = يفدي شريعتَه الرحمنُ يُعليها
وعانقتْ روحُه بالصِّدقِ غايتَها = فللشهادةِ شاريهـا وحاديهـا
وإخوةٌ من كرامِ الناسِ : أنفُسُهُم = هيهات في الجودِ تلقى مَن يجاريها
عبدالحميد الناصر المؤمن ابتسمتْ = لـه الجنانُ وقد وافى المنى فيهـا
ويوسُف الطلب المقدام أرسلها = أُغرودةً ما تلاشتْ في منافيهـا
هم عندَ بارئِهم طوبى لمقدمهم = في جنَّةِ الخلدِ هذا الركبُ يعنيها
قد أدلجوا بدروبٍ غيرِ مظلمةٍ = فيها شريعتُهم تُؤتَى مآتيها
هـم من مئاتٍ من الأبرارِ أكرمهم = ويكرمُ اللهُ فيها مَنْ يواليها
عاشوا الليالي بأذكارٍ يحفِّزُهم = حبُّ النَّبِيِّ وركْعاتٌ لباريهـا
فما الحياةُ سوى ميدانِ مَن سبقوا = إلى الخلودِ وما هانوا لغاليهـا
فجنَّـةُ الخلدِ والرحمنُ زيَّنَها = وهو المهيمنُ منشيها و واليها
لهم بهـا الدرجاتُ العالياتُ وهل = أغلى على القلبِ من رضوانِ باريهـا !
فنفسُك اليومً وطِّنْهَـا لموطنِها = يوم اللقـا ، ولغِيٍّ لا تُماشيهــا
وَطَهِرَنْ سعيَها من كلِّ شائبةٍ = تشينُ نهجَـكَ في حالٍ تُؤدِّيهـا
فالعيشُ في بهرجِ الدنيا بلا أملٍ = وإن طربْتَ لِلَحـنٍ من أغانيها
فعشْ فصولَك بالتقوى ولا تَرِدَنْ = روضَ الفسادِ ، وَصُنْها في فيافيها !
فوحشةُ العمرِ فيها أنت تصرمُها = بالبيِّناتِ التي بالشوقِ توليهـا
آمنْ بربِّك فالإيمانُ قوةُ مَن = عافَ البهارجَ مـا أغراهُ شاديهـا
أما المطايا ففي أرسانِها شغفٌ = للمكرماتِ التي فاضت بواديها
وهذه المحنةُ البلهاءُ ما برحتْ = تُنَغِّصُ العيشَ لـم تهدأ سوافيها
عدوُّنا فاغرٌ فاهُ الذي وجمتْ = عليه خسَّتُه يخشى تلاشيها
شُواظُها الحقدُ أزجاهُ لمركبنا = ليغرقَ النُّورَ في ديجورِ جانيها
وفوهةُ الغيِّ في أشداقها لهبٌ = لـه اندلاعٌ على دينٍ سيكويها
مساوئُ العصرِ ما اجتاحتْ عقيدتَنا = لكنَّهـا أخَّرتْ حينًـا مساعيها
ونبتةُ البيدِ لـم تثمرْ وقد عصفتْ = بها الرياحُ فلم تهنأْ مراعيهـا
أمَّـا الرعاةُ ففي أحنائهم وهجٌ = يهيلُ مستعرًا يغشى تجلِّيهـا
يزجُّ أفئدةً لله ما برحتْ = ترجو معونتَه فتحًـا يؤاخيها
في غيهبٍ وَعِرٍ تجترُّ وحشتُه = ما اقتاته الغيُّ في دنيا تلاحيها
ويعلمُ الجمعُ ممَّنْ رافقتْ يــدُه = يــدَ الوفاءِ التي عشنا نُقَوِّيهـا
ونافحُوا مـا نأوا عنها ولا جحدوا = وكلُّهم في غمارِ النَّقعِ يفديها
وذوَّبوا مهجًـا تفدي شريعتَهم = بمبخرِ الصَّبرِ فـوَّاحًا يواتيها
وفي جوانحنا الإيمانُ يسعفُها = يجيرُ لهفتَها الرحمنُ منشيهـا
فَكِبْرُ شانئنا ماضـرَّ زاخرَها = وما ونى مَن رأى نورَ الهدى فيهـا
و ريحُ دعوتِنا هبَّت بوادرها = فأجفلتْ فَزَعًـا منهـا أعاديها
إذْ ليس فيهـا سوى أفياءِ رحمتِها = وبـاءَ بالعارِ تَبًّـا مَن يُجافيها
ليلعقَ الإثمَ تكويه مواجعُه = ويعلمَ اليومَ مَن يصحو مساويها
ليدحضَ الهـمُّ بالإطراقِ هالتَه = لمَّـا تصدَّى لركبِ النورِ شانيهـا
تطاولتْ يــدُ طاغوتٍ وما جمعتْ = من بغيِهـا المــرِّ إلا مِن تجنِّيها
تطاولت وهوى بالسوءِ خنجرُها = على النسورِ ، وما أجدى تماديها
وأظلمتْ دارُهم في ليلِ كبوتِهم = ودارُنا أقمرتْ تزهو لياليها
جراحُنا والخطوبُ السُّودُ أروقةٌ = مكنونُها الغامرُ الميمونُ يُعليها
لـم ينهدمْ مجدَها من فأسِ شانئِها = محاولا طمسَ ركنٍ في أعاليها
هيهاتَ يَحْفِنُ خبثُ الغيِّ أروقةً = شيدتْ على منهجِ التقوى مغانيها
أعيتْ مداركَهم أنوارُ رفعتِها = وأقعدتْهم على عـارٍ مآتيها
إذ أمرعتْ بالجنى جنَّاتُهـأ وزهتْ = لمَّـا روى ودقُهـا الهاني بواديهـا
وأومأتْ بالهدى للخلقِ جنَّتُها = فليس يخشى تقيٌّ من سوافيهـأ
وشجوُ أفذاذِها ولَّى وقد نُصِروا = من القويِّ الذي يُفني أعاديها
فلم تزل سابغاتُ الجندِ باهيةً = وللعدوِّ فقد سلَّتْ مواضيها
فـأُمَّةٌ قد براها اللهُ مسلمةً = فليس بالغيِّ مكرُ العصرِ يؤذيها
قـد عادَ رائحُها بالعزِّ تحرسُه = عنايةُ اللهِ والبشرى لغاديهـا
للغارسين بذورَ المجدِ ماتعبوا = وليس تقعدُهم يوما دواعيها
هي القلوبُ التي قد آمنتْ ورنتْ = لوعـدِ بارئِها الأعلى مآقيهـا
إنْ مسَّها الضُّرُّ فالإيمانُ يسعفُها = أو نابَها الضَّيمُ فالدَّيَّانُ واليهـا
لاتجزعَنَّ أخا الإسلامِ من محنٍ = تثاقلتْ وعوى في الليلِ جانيها
وإنْ تبرَّجَ بالطغيانِ شانئُها = فلن تذلَّ لأوغادٍ نواصيهـا
فأمَّـةٌ رفعتْ للهِ رايتَها = فلنْ يرفَّ على ذلٍّ تباهيهـا
عمادُها الشَّاهقُ : الأيامُ تعرفُه = وشاهدُ العصرِ في الدنيا يزكيهـا
وليس يردعُنا عن نصرةٍ وجبتْ = لهـا ولا لجهـادٍ حانَ راميها
قد حثَّنا اللهُ في القرآنِ واستمعتْ = إليه أرواحُنا : ذكرى وتنبيها
ومن نبيِّ الهدى جاءتْ فرائدًه = تحثُّ مَن في الورى بالروحِ يفديهـا
وليس مطمعُنا في غايـةٍ سقطتْ = وليس ترقى إلى أسمى أمانيها
فـأُمَّةٌ نهضتْ ما شلَّها وجلٌ = من الظلامِ الذي يغشى نواحيها
فمن أساها جرتْ أصداءُ محنتها = تـرنُّ تُسمعُ مَن يصغي لحاديها
آنَ الأوانُ فدنياهم شكتْ وبكتْ = من الفسادِ الذي قد كادَ يُفنيها
ومن عقوقِ طواغيتٍ لبارئِها = وللأسى عَكفتْ ثملى مراثيها
تجوبُ أرجاءَها البلوى وتحرقُها = نارُ المكائدِ في غفْلاتِ أهليها
وليس يسعفُها إلا الرجوع إلى = ربِّ السَّماءِ فكم بالآيِ يوصيها
مذْ أدبرتْ عن مثانيها تَلَقَّفَهَا = مافي مخابئِهم من مكرِ شانيهـا
فأنفُسٌ من كُوى الإيذاءِ مابرحتْ = ترنو ليومٍ لهـا يُقصي عواديها
فأدركَتْهُ وفي أحنائها فرحٌ = وحينها كان عرسًا في مغانيهـا
فغدرةُ العَمَـهِ المشؤومِ أتقنها = بنو الضَّلالِ ألا هُدَّتْ صياصيها
حتى إذا ما أتى أمرٌ يباركُه = ربُّ العبادِ فلأردى مَن يعاديها
وثبَّتَ اللهُ أقدامًـا بساحتِها = وجاءَ بالفتحِ ما أبقى الأذى فيـها
وكبَّرَتْ جنباتُ الأرضِ وابتهجتْ = بيضُ القلوبِ وما عاشتْ تصابيها
فالدينُ والأمَّـةُ الثكلى وما افترقا = لايرضيانِ نكوصًا عن مراقيها
فَسُنَّةُ اللهِ تمضي رغمَ سطوتهم = ورغم حشدِ القُوى باءت مساويها
فـوعدُ ربِّيَ حــقٌّ لامِراءَ بـه = والناسُ لايعلمون اليوم آتيهـا
يومَ استغاثتْ بيومِ الخطبِ أُمَّتُنا = ألفتْ شريعتَها خفَّتْ تدانيها
فليس من منقذٍ للناسِ من محنٍ = إلا مآثر قرآنٍ يواسيهـا
وسُنَّةٍ لرسولِ اللهِ ترشدُها = إذا العدوُّ بحقدٍ جـاءَ يرميها