للسَّائلينَ ، وعن ماذا سيروونا ؟ = فما بنا من رزايا الدَّهرِ يكفينا
لقد تلظَّتْ بنارِ البأسِ أُمَّتُنَا = وقد كَوَتْ بالأسى منَّا الشَّرايينا
هل في منازلِهم مثلُ الذي وَجَمَتْ = له منازلُنا همًّا يؤاخينا !
إن طابَ ليلُهُمُ سُكرًا وعربدةً = فبالنوازلِ قد طابتْ ليالينا !
ولم نكنْ للملذَّاتِ التي وجدوا = كُنَّا لنحسدَهم حاشا مرامينا
ما حلَّ من نكدٍ لم يُفْنِ همَّتَنَا = وما تقاعسَ مقدامٌ بنادينا
مازالَ يدفعُ ضيمًا نالَ أُمَّته = إذْ زادَه الضيمُ إيمانا وتمكينا
فَغَرِّدَنْ في الفضاءِ الرحبِ تسكبُها = رسالةً ماقلاها شدوُ راوينا
يَعُدْ لدنيا الورى هَدْيٌ لدعوتنا = وأصلِحَنْ حالها قد باتَ محزونا
واسقِ القلوبَ التي من شقوةٍ ذبلتْ = من دافقِ الوحيِ عذبًا في مثانينا
قد بارتِ الردَّةُ العجفاءُ وانكفأتْ = عن دارةِ المجدِ واختلَّتْ موازينا
راموا السَّعادة في تيه الهوى فغوَتْ = نفوسُهُم وهووا من حيثُ يعلونا
وهرولوا لا إلى فضلٍ ومكرُمةٍ = وإنَّما لهلاكِ الناسِ يسعونا
واسترشدوا بعقولٍ غيرِ نَيِّرَةٍ = قد أوردَتْهم لخُسْرٍ منه يشكونا
فلم تجدْ في بقاعِ الأرضِ مرشدَها = فَعَرَّجَتْ ، بئسَ ، تستجدي الشَّياطينا
ولم تجدْ مرَّةً أخرى سِوى قيمٍ = للمسلمين تردُّ الشَّرَّ والهونا
وسائلٌ من ضمير كَيِّسٍ فَطِنٍ = أين الهداةُ يعيدون الهدى دينا !
أين المآثرُ صاغتْها شريعتُهم = وأين مَن بالتُّقى والحقِّ يوصونا !
وأين مَن تعشقُ الأسماعُ سيرتَهم = فليس للناسِ في الغبراءِ يؤذونا !
لمَّا مشوا فَسَحَابٌ وَدْقُه نِعَمٌ = يُزجَى لمَن مِن مآسيهم يُعانونا
مَن قالَ يوما سوى الإسلامِ ينقذُهم = فكاذبٌ وقحٌ أغراهُ شانينا
لن يُسعِدَ الخلقَ إلا دينُ بارئِهم = مهما تَقَوَّلَ في الدعوى أعادينا
فالخيرُ والبِرُّ والإيثارُ مابرحتْ = نديَّةً وسناها في نواصينا
طيبُ المزايا وما زالت بفطرتِنا = ما أبدلَتْها بسورِ الخُلْقِ أيدينا
مازاغَ قومٌ وفي أحنائِهم قبسٌ = من النُّبُوَّةِ ينفي الزيفَ والدونا
لايقبلون الهوى يودي بشيمتِهم = ويضرمُ الوهن باللذَّاتِ مشحونا
ولا يرون إذا تاقتْ قلوبُهُمُ =غيرَ الفضائلِ في الدنيا ميادينا
تصدُّ أنفُسُهُم عن كلِّ مُبْتَذَلٍ = فلم تجدْ بينهم أعمىً ومفتونا
يامَن تَبَصَّرَ في أحوالِ أُمَّتِنَا = وراعَهُ عزمُها في السَّعيِ موهونا !
تأخَرَتْ عن مطافِ العزِّ إذْ قَعَدَتْ = تكابدُ الضَّعفَ قوَّاهُ الأذلُّونا
وتشتري البخسَ في سوقِ الونى ، ولها = ملهى التنافُسِ بالإغواءِ مأفونا
كأنَّما غادرتْ ويحَ التبارِ غِنَىً = أعزَّها قبلُ بالإسلامِ مقرونا
واختارَها اللهُ للأسمى وأفردَهَا = لحملِ دعوتِه والناسُ يلهونا
نادت بهم فَتَدَاعَى كلُّ ذي رشدٍ = مسابِقًا بالهدى صفَّ الملبِّينا
وَغَيَّرَتْهُم فما ثابوا لِمُرْتَكَسٍ = ولا أناخوا بظلِّ الريبِ يشكونا
يامَن رأى أُمَّةً مثلَ التي صنعَتْ = يدُ الشَّريعةِ فانْظُرْ وجهَ ماضينا
أيَّامُها حُجَّةٌ لو شاءَ مُنكرُها = وَهْيَ التَّحَدِّي لِمَنْ جاؤوا يُلاحونا
هاتوا لنا حِقبةً تزهو بمفخرةٍ = غيرَ التي بِهُدَى القرآنِ تحدونا
واللهِ لو ملكوا أضعافَ ما امتلكوا = من تَقْنِيَاتٍ وأفكارٍ لِيُلهونا
ماوجَّهتْ لسوى الرحمنِ أٌمَّتُنا = عزيزةً وجهَهَا بئسَ المراؤونا
لابدَّ من عودةٍ تُرجَى لموكبِها = فالبُشرياتُ هَفَتْ فتحًا وتمكينا
واليومَ دَعْ زورَ قاليها وإن كثروا = فَصَفُّهم لم يكن في السَّعي مأمونا
قد أدبرتْ واختفَتْ أحزابُهم وَهَوَتْ = أصنامُهم ولها كانوا موالينا !
لم تُجْدِ رِدَّتُهُم إذ بالهدى كفروا = وأبدلوه بزيفٍ ظلَّ مأفونا
ولم تكن للعلى أحزابُهم أبدًا = وإنَّما للرئيسِ الفردِ يحدونا
فقادَهم للمخازي فانطوتْ عبثًا = من عمرِهم حقبةٌ ، أينَ المُعَزُّونا
أين الجموعُ التي في الملعبِ احتشدتْ = تُمَجِّدُ المجرمَ الخوَّانَ ملعونا
أرادها هجمةً تطوي شريعَتَنَا = ولم يكنْ شغلُه إلا أفانينا
وهبَّتِ الريحُ ريحُ الحقِّ فاقتلعَتْ = ماشِيدَ إذ لفسادِ الناسِ يبنونا
قرنٌ مضى والرزايا فوقَ أمَّتِنِا = كأنَّها سحبٌ بالهولِ تغزونا
كم من زعيمٍ تلا إذ هبَّ منقلبًا = على الرفاقٍ بيانًا جاءَ مسنونا
مهدِّدًا بظلامِ السجنِ إن عبسوا = وهكذا اختلَّتِ الدنيا موازينا
ولم يقمْ عهدُهُم إلا على سفهٍ = ولم يكن كعهودِ الخيرِ مكنونا
فتلك بينَ الورى بانتْ نتائجُها = بالخزيِ وانفضَّ جمعُ الشَّرِّ موهونا
آهٍ على الناسِ في أقطارِ أُمَّتِنا = في حكمِ ساستِهم ممَّا يلاقونا
الخيرُ في أرضِهم والجوعُ أوهنَهم = والمالُ يُطوى بأكياسٍ ملايينا
وبين أبنائهم هاهم جهابذة = لو وُجِّهوا لمَضوا للمجدِ يحيونا
وأهلُ علمٍ فكم من عالِمٍ فَطِنٍ = وكم لديهم من القدراتِ تحدونا
وكم من الخيرِ والثرواتِ قد وهبتْ = لهم يدُ اللهِ فاضت في مغانينا
ولم تجدْ مصنعًا أو موئلا حَسَنًا = تُرعَى به للعلى يومًا أمانينا
وإنما القهرُ والإذلالُ موطنُ مَن = غطَّى مراتعَ مَن باتُوا مساكينا !
مخيَّمات لأطفالٍ وقد جمدتْ = أجسادُهم وبثوبِ البردِ يثوونا
شكوى إلى الله لايُرجَى سِواهُ وهل = على البسيطةِ مَن تُرجَى عطاياهُ !
والناسُ في الدولِ الأخرى لهم فُرُشٌ = على مباهجِها الأخرى ينامونا
بل إنَّها لَتُسَمَّى هكذا دولا = عظمَى وقد ملكتْ منها الميادينا
واستأسدتْ في بلادٌ نحن نملكُها = عفوًا فإني أُريدُ الزائفَ الدونا !
فاقرأْ صحائفَ إعلامٍ مزيَّفةً = ترَ التَّحَدِّي لماضي العزِّ يُنسينا
ولم تجدْ صفحةً بالخيرِ تذكرُنا = لكنها حفلَت من صوتِ ناعينا
وليس تعلمُ في دنياهُمُ أحدًا = إلا وبثَّ بسوءِ الحقدِ شانينا
وحسبنا اللهُ قد ذقنا سفاهتَهم = سمًّا زعافًا وطاعونا وغسلينا !
يلوكُها الناسُ واشجواهُ في بلدي = وليس ينفعُ شكوانا تأسِّينا !
اليوم يصفعُ حقدُ الكفرِ أُمَّتَنَا = وللمهالك قد جَرُّوا نواصينا !
ألم ترَ الأرضَ ملأى من جماجِمنا = وكأسَ لؤمٍ أيادي الغدرِ تسقينا !
إنْ شِئتَ فافتحْ لهم صَفْحاتِ خستِهم = ليقرأ الأرعنَ الأعمى مآسينا !
ما من حياءٍ لأنجاسٍ ولا شرفٍ = وما جرى في بيوتِ الله يكفينا !
كم من كريمٍ تَرَدَّى من بنادقِهم = وليس يرضى بذلٍّ باتَ يعرونا
لكنَّها صَفَحَاتُ العزِّ نؤثرُها = فلن نهونَ وحادي الثأرِ يحدونا
للهِ للدنايا الجذوةُ اشتعلتْ = والله جلَّ جلالُ اللهِ والينا
هذي المثاني نداها لم يزل عطرًا = يحيي قلوبًا ويطوي من تجافينا
وهذه السُّنَّةُ الغَرَّاءُ ملهمة = وبوحُ أغلى صداها ظلَّ يُغنينا
هي الشَّريعةُ إسلامية عَبَقَتْ = بين المغاني رياحينا ونسرينا
لها الأماجدُ أهلُ الدِّينِ قد نهضوا = كيلا يموتَ جزافًا زهوُ ماضينا
ولن يُجَدِدَ ماصاغتْ أوائلُنا = إلا بنوهم لِما دانوا يُوالونا
لله عودتُهم فيها لهم قيمٌ = وليس للزيفِ يرجون المُهانينا
وبالتقاةِ رجالِ العلمِ ماوَهَنَتْ = يدا هداهم وما عاشوا مرائينا
وتلك للعلماءِ الصِّيدِ مكرمة = فما لطاغيةٍ لانوا أحايينا
لقد صحا الناسُ من أوهامِ غفلتِهم = وقالَ جمعُهُمُ للحقِّ آمينا
وألزموا دعوةَ الإسلامِ أنقسَهم = وأقبلوا نحوَ دينِ اللهِ يعدونا
ماعادَ يخدعُهم تزييفُ ذي بطرٍ = فأهلُ هذا الهدى عاشوا ميامينا
فقد تَوَهمِ قبلَ اليومِ بعضُهُمُ = أن البطولةَ فيمن زاغَ ملعونا
وأنها الهرجُ والتصفيقُ مانَعَبَتْ = شِدقُ الزعيمِ بزورٍ كان يلهينا
قرنٌ مضى فيه أحداثٌ مزلزلةٌ =وفيه مايبعثُ الشكوى ويشجينا
نبيتُ عند شجونٍ ليس يصرمُها = إلا حفيٌّ بتذكيرٍ يُواسينا
ومن دجى عصفِها العاتي قد انبجستْ = أنوارُ رحمةِ ربِّ الخلقِ بارينا
وللأماني حبالٌ غيرُ مجديةٍ = وبترُها إن تمادتُ ليس يؤذينا
فإن حَبَتْهَا يدٌ في الأمرِ فاعلةٌ = كريمةٌ عن سَِواها اليومَ تُغنينا
فَضِدُّ وَهْنِ الفتى عزمٌ يُفَتِتُ ما = شادَ الهوانُ خرافاتٍ وتزيينا
فآثِرَنْ عزَّةً باللهِ عن وهنٍ = أنساكَ وجها أتانا من مثانينا
فعزَّةٌ بإلهِ الكونِ تجمعُنا = وظلُّ ربِّك في الشِّدَّاتِ يحمينا
وعندها لاقيصر الرومانِ يفجعُنا = وليس كسرى بجمرِ الحقدِ يكوينا
سيرجعُ الوَهَجَ القدسيُّ يغرقُهم = فبئسَ شانئُنا الأعمى وقالينا
لئنْ طمى الخطبُ في دنيا توجُعِنَا = وإن تَلَوَّى على الضيمِ المصابونا
حنينُنا لرضا الرحمنِ يكلؤُنا = وتمنعُ الجزعَ الطاغي مآقينا
هي الشهادةُ في ظلِّ الهدى شرفٌ = وعندها فرحا قلَّتْ بواكينا
ألمْ ترَ الأمَّ في أغرودةٍ ملأتْ = جوانبَ الدَّارِ أنغاما وتلحينا
رأتْ مكانَ الفتى في جنَّةٍ ورأتْ = ما للشهيدِ فلم تقبلْ تعازينا
لولا عقيدتُها في يومِ مقتلِه = لأُحرقَتْ كبدٌ حزنًا وتأبينا
لكنَّها بشرياتٌ من لَدُنْ سندٍ = وقولُه الحقُّ لم يُدْرِكْهُ واشينا
هو النَّبيُّ فلم تجزعْ وقد سمعتْ = صِدقَ الحديثِ عن الراوي يواتينا
إنَّ ابنك المؤمنَ المقدامَ كلَّمَهُ = ربُّ العبادِ كِفَاحًا باتَ يُغرينا
على دروبِ الفدا سارت أوائلُنا = وانظر أواخرَنا في الدرب ماضينا
فصحوةُ المسلمين اليوم تزعجُ مَن = منا زحوف بني اليسرى يخافونا
فثقْ بربِّكَ لاتجزعْ وإن سلبوا = مافي يديك من الدنيا ملاعينا
فليس للباطلِ االمبتور من أملٍ = سوى التبابِ الذي منهُ يُعانونا
فجندُ ربِّك يُرجَى فجرُ مقدَمِهم = فاصبرْ فعندئذٍ تحلو ليالينا