إهـداء إلى روح أخي الحبيب الشَّهيد الشيخ هشام بجعة ( أبي ربعي ) يرحمه الله
في جنَّات الخلود ــ إنْ شاءَ الله .
- نشرت في مجلة حضارة الإسلام الدمشقية .
العدد (3) ــ تاريخ جمادى الأولى ــ للعام 1400هـ ــ السنة الحادية والعشرون ــ
غفوةُ عـانٍ ذُوِّبتْ بالنَّفيرْ = كصيحةِ الحشرِ ليوم النُّشورْ
على صـداها شفةٌ لـم تزلْ = تشقُّ أطباقَ الدُّجى بالهـديرْ
قد أذهلتْ قلبي فيالـلرؤى = مائجةً فائرةً كالسَّعيرْ
تشبُّ ــ يابشرايَ ــ ذا فجرُهـا =ينسجُهُ الحــقُّ بنارٍ و نورْ
أَجْــرِ بها بقيَّـةً في الجـوى = من سالفِ العزَّةِ خلفَ العصورْ
ظمأى ليالي الروحِ فاستمطري = من معصراتِ الغيبِ سقيا الصُّدورْ
وهيِّـجي مَـنْ نامَ قيدَ الـونى = أو لـفَّ عُمْرَه بثوبٍ وثيرْ
هل تبعثُ المكدودَ من رمسِه = إلا رياحُ الشَّوقِ ضجَّتْ نذيرْ !
ما جزعتْ نفسٌ وفي بالِها = ذكرٌ حباها من جليلِ الشُّعورْ
أو ردَّ كأسَ المـوتِ إلا فتى = أسبلَ في الدنيا إزارَ الحريرْ
وفي هـواها أُمنياتٌ خلَتْ = كمـا خـلا في الساحِ قلبُ الجسورْ
وفي السماواتِ العلى جلجلتْ = أحلى نغيماتِ المنى والسُّرورْ
تـردُّ للروحِ سنا مجدِها = بعابقٍ من فائحاتِ الزُّهـورْ
ماقيمـةُ العيشِ على لقمةٍ = معسولةٍ بِمُجْتَنَاها المـريرْ
فهـذه الأيامُ فصلُ الفنا = يسيمُ دنياها الظلامُ النَّكيرْ
وما صفَتْ وليس تصفو وذَا = جليلُهـا يُطوى ويُطوَى الحقيرْ
يعـزُّ فيهـا ماجنٌ أرعنٌ = يهـزأُ بالأقدسِ أنَّـى يدورْ
فهـل يرى المسلمُ أشواقَه = وينهضُ اليومَ لأمـرٍ كبيرْ !
وهـل زمانُ الأولين الألى = يغشى زمانَ الآخرِين الخطيرْ !
كم صائحٍ نادى على أهلِه = بالأسفِ الُمْجهِدِ بل بالثُّبورْ
خبـا بأضلاع حسيسِ الأسى = شعاعُـه القدسيُّ بين القبورْ
فبات يشكو في مناجاتِه = هـولَ المقاديرِ وضيقِ الصُّدورْ
وفي رحابِ الأرضِ أقدامُـه = كانت تهـزُّ الرَّاسيات الصُّخورْ
لمَّـا مشى للهِ في أفْقِهـا = وعاف من زينتها والحريرْ
ولانَ للثَّائرِ صخرُ المـدى = فطافَ في أرجائه كالأثيرْ
مَن كان في الأرضِ أميرَ الورى = ومَن أشادَ المجدَ عبر العصورْ
ومَن أقامَ العدلَ في ركنها = وزلزلَ الباطلَ يـومَ النَّفيرْ
واليومَ ياويحَ القلوب التي = عطَّرَهـا الشَّوقُ بروحٍ فخـورْ
واليوم أين مُنْيَةٌ لاتُـرَى = إلا كلمـحٍ فوق فيض الشُّعورْ
واليومَ يشقى المسلمُ المصطفى = من بين أجناسِ الورى بالمصيرْ !؟
مكبَّلٌ يرمي لياليه العنـا = كأنَّـه بين البرايا أسيرْ
ظمأى ليالي الروحِ ما أكبرتْ = نفسي ربيع العصرِ واهٍ حسيرْ
تسردُ للأيامِ أُقصوصةً = أوَّلُهـا مـرارةٌ والأخيرْ
ضائعةٌ بمسربٍ داكنٍ = وإن توشَّى صبحُه بالنَّثيرْ
ماحوَّمَتْ بينَ الجموعِ التي = جابَ هـداها كلَّ دربٍ عسيرْ
أو صفَّقَتْ أجنحةٌ في المدى = حولَ سماواتِ الخلودِ المثيرْ
ما رأتِ الروحُ تجلِّي رٍِفعةٍ = تنهضُ بالروحِ لأغلى حبورْ
ولا تثنَّى الشَّوقُ في مهجةٍ = حذَّرهـا الصَّائحُ شرَّ المغيرْ
ترعفُ بالهول سُوَيْعاتُها = واجمةً وفي الرزايا تسيرْ
وأدبرتْ عن ربِّهـا فانثنَتْ = ولملمتْ خذلانَها والفجورْ
ظمأى ! فأين جِرارُ المنى = تسقي الظماءَ من بطون السَّعيرْ !
ظمأى وهذا العصرُ أزرى بها = وهـدَّها مكدودةً في الثُّبُورْ
ودون إصباحٍ لهـا أُمَّـةٌ =تُخـرجهُ من ذي الرَّزيَّاتِ نـورْ
فدَوِّني عهدَ نبيِّ الهدى = ومنزلُ الدعـوةِ ربٌّ قديرْ
يُطوى هراؤُهم وتَبقى لنــا = راياتُ عـزٍّةٍ ليومِ النُّشورْ