حَيَوِيَّةُ مجـدٍ ...
أخبرينا أُمَّتي عمَّنْ نبــا=سيفُه البتَّارُ ثمَّ احتجبـا
حدِّثينا فالأماني بُعثرتْ=بيَدَيْ خِـبٍّ عليهــا انقلبَـا
ماعشقنا المجدَ لـولا أنَّـه=حفظَ العهــدَ و والى النُّجبَــا
وتثنَّى في حِمـى مَن أدلجــوا=خلفَ مَنْ هبَّوا وراموا الغلبَـا
عـزَّ أن تلقي زمانا عندنا=مـؤثرًا فيه بنيه النُّجَبَـا
أغمضَ المجدُ عليه عينَه=وتوارى نورُه محتجبا
راضيًا بالصَّمتِ في صمتِ الدُّجى=قاليًا للفجرِ أغفى عتبا !
سائلاً عن أُمَّـةٍ مختارةٍ=لم يجدْ وجهَ علاها عَذُبا!
ألكم يامسلمون انتصبتْ=رايةَ الإذلالِ رفَّتْ غضبا ؟
أعليكم حُرِّمَ العـزُّ الذي=لم يزلْ للصِّيدِ أُمًّـا وأبـا ؟
أين منكم للعلى شرعتُكم=تملأُ الأكوانَ فخرًا أخصبا ؟
أين سيفُ اللهِ من تاريخِكم=أتراهُ غابَ ! أم قد غُيِّبا ؟
إنَّ سيلَ الألم الدَّامي طمى=فطوى قِمَّتكم والغيهبا
هذه نارُ المآسي التهبتْ=وبنوكم لم يزالوا الحطبا
ألفُ أُخدودٍ لكم قد حُفِرتْ=فانظروا ـ مليارَكم ـ منتحبا
فعلامَ الخوفُ من أعدائِكم ؟=ولمَ النُّورُ تلاشى و خبا!
أعلنوها اليومَ إسلاميَّةً=وانبذوا الخوفَ و دوسوا الرِّيبا
أنتمُ واللهِ أهــلٌ للعلى=أترى المجد خوى أم سُلِبَـا(1)
أم بظلِّ الوهـمِ أغواكم هــوى=فتقاعستُم وغبْتُـم هـربَـا !
أم تـراميتُـم لدى طاغيةٍ=قتلَ الأمَّ استشاظتْ غضبا
وتمادى يهلكُ النسلَ أذى=والصِّغارَ الزُّغبَ منهم والأبــا
حاربَ الإسلامَ واستولى على=خيرِ شَعْبٍ حاقدًا منقلبا
لعنةُ اللهِ عليه دائما=من قلوبٍ منه باتت أقربـا
مالأهلِ العـزِّ هانوا وانثنتْ=همــمٌ إذْ مُحيَّـايـا خبــا
أين أبناءُ البطولاتِ التي=ملأتْ وجـهَ مغانيهم إبــا !
أين مَن قــد أنزلَ اللهُ لهم=وحيَه واختارَ منهم نجبَـا ؟
وحباهم بالمثاني والهدى=ونبيٍّ لم يزل مُنْتَجَبَـا(2)
واصطفاهم من بني آدم إذْ=أيَّــدَ الحـقَّ بهم والأدبـا
فخُطاهم في البرايا رحمــةٌ=وسجايا إرثهم قد أنجبا
صفعـوا الظلمَ ولم يلتفتوا=لحياةِ اللهـو باتت مكسَبَـا
بلغتْ مافي المعالي هــمـمُ=شأنُهــا الإسلامُ أوفى المأرَبَـا
فَحَنَا باليُمْنِ والخيرِ على=أمــمٍ عاشتْ بتيهِ صَّخبَا
في حياةٍ ليس فيها أملٌ=لكريمِ النفسَ رامَ المشعبَـا
فطريقُ الحقِّ في إسلامِنا=وسِواه في الضَّلالِ انشعبَا
والقوانينُ التي مابرحتْ=تجلبُ البؤسَ لهم والنَّصَبَـا
كم بها قد أشعلوا نيرانَها=في حروب مثقلاتٍ منكبا
الملايين بها قتلى ولم=تَجـدَنْ تلك الشعوبُ المهربا
أحــدقَتْ بالناسِ بلواها ففي=نارِها تلقى الأسى ملتهبا
ونظامٌ عالميٌّ فاسدٌ=والمـزيَّاتُ له لن تُنْسَبَـا
ضجَّت الأوراقَ من زورِ على =منحنى صفحاتهـا مـا كُتبَـا
صنعوا الإرهابَ في أوكارِهم=فتنةً تخدمهم أو مخلبَـا
هكذا طافوا به هذا المدى=وبلادُ العربِ نالتْ وصَبَــا(3)
دول الطغيان تبغي دفْنَ مــا=في المثاني من هـدى لن يُعطبَـا
وتُوارى دعــوةٌ قدسيَّةٌ=إذْ بها جاءَ النَّبيَّ المجتبى
خسئوا والله في بهتانهم=وأتـوا حاضنةً لن تُغلبَـا
إنها الأمَّـةُ هبَّتْ حُــرَّةً=تزدري الوهنَ الذي قد خيَّبـا
لاتبالي بالذين استسلموا=أو ترى غيرَ التَّحدِّي مطلبَا
ياشبابَ الأُمَّـةِ اشتدَّ الأسى=وتداعى حشدُ شرٍّ مُقْنِبَـا(4)
واسلكوا الدَّربَ جهادًا وهدى=كي تروا بين يديه الغلبا
قد صبا المجدُ إلى أُمَّتِكم=يندبُ الأبرارَ عِـزًّا وإِبــا
لم يقمْ بالمجدِ إلاَّ مؤمنٌ=صَدَقَ اللهَ النِّدا إذْ وثبا
وانتهى قرنٌ ، وكم من بطلٍ=ملأَ الدنيا ضجيجًا ... خُطبا !
وبنى من وهمِه أمجادَه=إذْ غـوى منتفشًا منتصبا !
إنَّه الباغي اللئيمُ استفحلتْ=في لياله الرزايا نُـوبَـا
وأتاهُ القَـدَرُ استوفى لمن=بالدم الغالي هـوى مختضبا
يدَّعي المجدَ الموشَّى بالأذى=ويصوغُ الزيف فيه كـذبا
إنَّـه المنبوذُ لكنْ خوفُ مَن =صفعَ الوهنُ يديهم عجبا
فاسْتُرقُّوا لزنيمٍ مجــرمٍ=مستبيحًا مالديهم رُعُبَـا
وإذِ المجدُ هوانٌ ما نأى=عنه ، والوشيُ المُحلَّى سُلِبا
آهِ كم قد صفَّقَ الناسُ له=ورأوا فيه الزَّعيمَ الأعجبا !
وصحا الشَّعبُ على نكبتِه=يندبُ الحظَّ ، ويشكو النُّوبا
حيثُ أضناهُ زعيمٌ ملهمٌ=بالمخازي والمآسي حقبا
والهوى المذمومِ في حكمٍ طغى=ومعاداةِ الحنيفِ المُجتَبَى
وسجونٍ لم تزلْ تلعنُه=و دمٍ لمَّـا يزلْ ملتهبا
وملاهٍ وخمورٍ وزنى=وفسادٍ للمزايا قَلَبَا
لن يرى الحكامُ فتحًـا يُرتَجَى=أو رُقِيًّـا للعلى مرتَقَبَا
أبدًا إلا بدينِ المصطفى=وبسيفٍ عُمَرِيٍّ ما نبـا
قد أبى المجدُ فلا يُعطي العلا=رايةَ الفتحِ لهم والغلبا
قبلَ تحكيمِ المثاني شرعةً=فبها الخيرُ الذي مانضبا
قد كفى أُمَّتنا ما نابها=فاتَّقُوا الدَّيَّانَ ، والمنقلَبا
وكفى المجدَ غيابًا مؤذيًا=فالغيابُ المُــرُّ كم قد خرَّبَـا
مجـدُنا باقٍ ولن يطمسه=مَن تخلَّى عنه أو مَن أذنبَا
ردَّ مَن حاربَه في خـزيِه=ومَن استعدى الأعادي وكبَـا
مجدُنا بالقيمِ العليا زهـا=ولأهلِ الوعي في الدنيا سبى
فيه من قرآنِنا بهجتُه=ومن السُّنَّةِ شَهدًا طيِّبَـا
ومن التاريخ شدوٌ خالدٌ=ولأهلِ الأرضِ وافى عتبا
قـد شجى منهم شعوبًا أسلمت=وبهـا الحادي بكى منتحبا
لاعلى فقدِ شبابٍ بايعوا=ربَّهم ألاَّ يكونوا سببا
فاستحبًّوا البذلَ بالنفسِ التي=بدماها آثرتْ أنْ تكتبَـا
إنَّهـا الصَّحوةُ ما أبقت على=عينِ حــرٍّ غبشًا أو حُجُبَـا
إنَّـه الإسلامُ والعيشُ بلا=دينِنا الغالي بـدا مضطربَا
وكأنِّي بالنَّبيِّ المصطفى=يرقبُ الأمَّـةَ هبَّتْ موكـبَا
بايعَ الباري على نصرتـِه=ليرى الفتحَ بــدا والغلبـا
فأعـدِّي أمَّتي فاليومَ قـد=بلغَ الظلمُ مــداهُ الأرحبــَا
ملأ الدنيا فسادًا جارفًا=وبسوقِ الزيفِ أرغـى كَذِبــا
لم يعد يسألُ عن دينٍ ولا=عن سجايا صُحِّرَتْ لن تعشبَا
لـم يعد للأمـر مايُجدي سِوى=قــوَّةٍ هلَّتْ تنادي العربَـا
لم تكونوا أمَّــةً لـولا الهُــدى=وسيبقى شامخًــا مــا غُيِّبَـا
والبشارتُ التي مابرحتْ=تتثنَّى والمُحَيَّــا عَــذُبَـا
ربِّ أدركْ أُمَّتي من غُمَّــةٍ= تتلظَّى في ربانــا لهبــَا
وامحقِ الأعــداءَ ربِّي إنهم=قد أتــوا بالكفرِ ربِّي مذهبـا
يومَ عــزَّ المسلمون ابتهجتْ=هذه الدنيا وتاهـتْ طربَا
هوامش :
(1)العلى :من العُلُو الذي هو مصدر عـــلا، يعــلو، فهو عالٍ
ويكون ذلك من علاء المجد والشرف والمكانة .
(2)النُّجَبَـا : يُقال : رَجُلٌ نَجِيبٌ : نَبِيلٌ، فَاضِلٌ، كَرِيمٌ.
مَنْ صَمَدَ فِي نَظَرِهِ وقَوْلِهِ وفِعْلِهِ .
(3) الوَصَبُ: مفرد أوصاب وهي الأوجاع بكل أنواعها .
(4) مقنب : الحشد من الأعداء يجتمع للغارة.
(5) الطَّرَبُ : خِفَّةٌ وهِزَّةٌ تثير النَّفْسَ لفرحٍ أَو حُزْنٍ أَو ارتياح.
ولعله الفرح بنصر الأمة على أعدائها أجمعين بمشيئة الله تبارك وتعالى .
وسوم: العدد 1069