نحو وجوب الكفاية

التنافس في الطاعات والمسارعة إلى الخيرات خُلُقٌ عظيمٌ، لا يتَّصِفُ به إلا أصحاب الهمة العالية، وقد أمر الله تعالى به في كتابه العزيز، قال الله عـــــزَّ وجَّـل: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) 133/آل عمران وقال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ( 148 / البقرة .

أعظـمْ بِهَـدْيِ مُحَمَّـدٍ منهاجا = للخيرِ هَــلَّ ولـم يـزل ثـجَّاجــا

جعلَ الكفايةَ مبدأ لبني الورى = تغشى بلادًا بالمُنـى وفجـاجا

وأثـارَ حبَّ الخيـرِ في النفسِ التي = قـد عاشَ صاحبُ زيغِها مُعتاجا

وإذا بـه الشَّهمُ الذي جعلَ الغِنى = لأولـي المكارهِ كفُّـه فـرَّاجـا

وأشاعَ حبَّ الجـودِ جود أفاضلٍ = بِـــرًّا وأبهـجَ مَـن شَكا إبهاجـا

لبَّى نـداءَ اللهِ في قـرآنِه = في الخيرِ واستبقَ الرضـا معراجـا (1)

إنَّ الأُخـوَّةَ والتَّكافلَ والوفـا = مازالَ وجــهُ صباحِهــا وهَّــاجا (2)

شهدت ليالي المسلمين حِباءَها = إذ أخرجـوا آثارَها إخراجـا

كـذبَ الـدَّعيُّ فشرعُنا بنصوصه = لـم يُبقِ فقرًا أو يـدع محتاجا

في المسلمين وغيرِهم مـمَّـن طووا = مهجًـا على فقرٍ أثارَ وهـاجا

أولمْ يـدْ ذاك اليهوديُّ النَّـدى = في دين أحمدَ رحمةً وعـلاجـا (3)

أدنـاهُ فاروقُ الهـدى مـن حقِّـه = فـرأى كمـالَ الـدِّينِ ليس خـداجا (4)

كذبتْ مبادئهم وبانَ عـوارُها = وعـليهمُ عـاد اللظـى أجَّاجا (5)

ظَـلَمَ البخيلُ برأيِهم وتضاءلَتْ = فرصُ الكفايةِ في يديه مِــحاجا (6)

حسْبُ الشَّريعةِ رفعةً لفقيرِنا = أنَّ الإخـاءَ فضيلةً قـد راجـــــا

والله بارك للغنيِّ بمــالِه = وأفاضَ من ودق الهنــا ثجَّـاجــا

والمالُ فاضَ ولم يجدْ ذا حاجةٍ = مَن يأخـذُ الأموالَ والدِّيباجا

فطيوبُ شرعتِنا المحبَّةُ والتَّضامنُ . = . والتَّكافُـلٌ لـم تــذرْ مهتاجــا

وَلْتَخْسَأ النُّظُـمُ البئيسةُ أفلستْ = ما أوجدتْ لشعوبِها إبهــاجـا

والأدعياء تساقطوا أو أدبروا = بعدَ التَّبجُّـحِ للــورا أفـواجـا

فَلْيَــرْتقِ الفقراءُ ظهـرَ قناعـةٍ = فغناهُــمٌ بالبِــرِّ راجَ رواجــا

إنَّ الغنى والفقرَ في دنيا الورى = قــدرٌ وأُدرجَ بيتهـم إدراجا

وهـما الوسيلةُ للتُّــقى في أُمَّــةٍ = لا بالتنافر والتفاخـر عــاجــا

إنَّ الغنيَّ أخــو الفقيرِ إذا هـمــا = رضيا الإخـاءَ وأدلجــا إدلاجـا

واستعذبا ماشاءه لهما الذي = جعلَ الرضــا بقضائه منهاجــا

وإذا هـمــا كرها الفسادَ وإنَّــه = ليعودُ في صدرِ البغاةِ أُجـاجـا

والله جازى المنفقين جنائنا = وبمثلها نالَ الفقيرُ

لهما من الحلل الجميلةِ ملبسٌ = وإلــى المكانةِ أقبلوا أفواجـا

يتنعمون جزاءَ ماقد قدَّموا = وقد ارتقوا في عيشهم أدراجـا

أو يصنعُ الثوبَ الجميلَ سوى الذي = خبرَ الصناعةَ بارعا نسَّــاجـا

أمَّا الذين عن العقيدة أدبروا = بل أُخرجوا بيدِ الشَّقا إخـراجـا

تاهوا وربِّـك عندما دفنوا الغِنى = بأذى الفقيرِ وقطَّعوا الأوداجـا

وإذا به والفقرُ جلَّـلَ عمرَه = بالمزرياتِ يلمُّـهـا أمشاجـا

لكنَّ أوعـاهم يؤوبُ لرشده = فـأتــى العقيدةَ مــدلجًــا إدلاجــا

فهي العقيدةُ لـم يــزل فيها الهدى = أمسى الغنــيُّ لفضلـها محتاجـا

وهي الأحاديثُ الأثيرةُ ظلُّهــا = لمَّــا يَــــدعْ لمحــقِّــــــقٍ إحــــــــــــــــــــــــــــــراجــا

وهي النُّبُـوَّةُ نــورُهـا باقٍ لمَـن = جعلَ الهــدى عــــــــــــــــــزًّا يـــدومُ وتَــــاجـــــــــــا

أعـطــى الكريمُ نبيَّنـا من فضله = قيمًـــــا فكانَ سراجَهَــــا الــوهَّــاجـــا

وشريعــةُ الرحمنِ ما أبقت لِمَــن = رامَ السَّعادةَ والمنى إزعــاجـــا

وعلى مــدى الحقبِ التي مــرَّتْ بها = لَمَّـــا تــزلْ للـمُتَّـــقِــي معراجــا

يلقى بهــا وجــهَ الرحيــمِ مُـنَـعَّـمًـا = ويــرى كرامَ دعــاتـِهـــا أفــواجـــا

مَن سارعـوا في سوقِ دعــوة ربِّهم = بالباقيــاتِ الصَّـالحــاتِ رواجــا

والفضلُ للصَّدقاتِ أُدرِكَ شأنُها = أضحــى لــحــالِ المعسرين عــلاجــا

وسيأسفُ الإنسانُ إن فاتَتْــهُ في = حــالِ الحيــاةِ إذا رأى مَــنْ حــاجَــى

حاجى لغبطته سِواه اليومَ إذْ = نالَ المكانةَ وارتــدى الـدِّيـباجــا

ثـوبُ الحــريرِ تنوَّعتْ ألـوانـُـــه = وبــدَتْ مباهجُ زهــوِهــا أمــواجــا

فالمحسنون لهم مكانتُهــم إذا = جاءَ الحصادُ وعاينوا الإنتاجــا

فالحكــمُ يـومئــذٍ لــربٍّ راحــمٍ = وعبادُه ما استُدْرِجُــوا استدراجا

لغوايـــــــــــــةٍ أودتْ بكلِّ مُضَلَّــــــــلٍ = وجـــــــــــدَ المــآلَ مــــــــــــــــــــرارةً وأُجــاجــا

والفائزون تسنَّمُـوا في سوقِهــا = حلــلَ الخـلــودِ فسوقُهــا قــد راجـــا

هـوامش :
(1) المعراج : هنا المِصْعَدُ والسُّلَّمُ لرقي النفس الراضية .
(2) الوهاج :
وَهَّاجٌمُشِعٌّ ، مشرق .
(3)
إشارة إلى مافعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان يسير يوماً في الطريق فرأى رجلاً يتسول، فقال له : مالك يا شيخ؟ فقال الرجل: أنا يهودي وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر: والله ما انصفناك نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً والله لأعطينك من مال المسلمين، وأعطاه عمر ـ رضي الله عنه ـ من مال المسلمين . وهذا الأثر المذكور رواه غير واحد من أهل العلم ـ منهم أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، وابن زنجويه في كتاب الأموال ـ وتناقله كثير من أهل العلم ـ منهم الإمام السيوطي في جامع الأحاديث، وابن القيم في أحكام أهل الذمة وصاحب كنز العمال ـ ولم نقف على من تكلم في سنده من أهل العلم، لكن ذكر هؤلاء العلماء المحققين له واستشهادهم به وبناء الأحكام عليه يدل على أن له أصلاً صحيحًــا .

(4) ليس خداجا : ليس ناقصا .

(5) أجَّـاجا : شديد الاحتراق .

(6) مِحــاجا : التسويف والمماطلة .

وسوم: العدد 1084