أهل الإيمان بالله لهم الثوابُ الجزيل ، والمكانة العالية عنده سبحانه وتعالى . ولقد بشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه الأبرار بتلك المكانة بوحي من الله : ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ) 47/ الأحزاب ، فالمؤمنون وأعمالهم الصالحة ، وسيرتهم الحميدة ، وجهادهم بالكلمة المباركة ، وصبرهم على ما أصابهم في سبيل الله... كل ذلك يُؤتيهم الله به من فضله الكبير ، وهذه بشارة جليلة لكل مسلم مؤمن بالله عاش في ظلال الدعوة التي أنقذت الخلق من ظلمات الجاهلية إلى الصباحات المشرقة بأنوار الرسالة المحمدية .ولعل أديبنا الكبير الدكتور عبدالله الطنطاوي من أولئك الأخيار الذين تشملهم البشارة النبوية ، وذلك فضل من الله ، وإليه هذه القصيدة تعبيرا عن حبنا لأبي أسامة ، وتقديرا لجهوده في خدمة الأدب الإسلامي....
أنتَ في صفِّ موكبٍ أحمديٍّ
بك طابتْ في زهوها الأشعارُ = وتسامتْ بنظمها الأفكارُ
وتجلَّتْ حروفُها نضراتٍ = ونداها للقارئ استبشارُ
والمغاني وأهلُها في ظلالٍ = مَن تآخوا فللجحودِ اندثارُ
أدباء الشآم حولك جاؤوا = وبأيديهُمُ تزدهي الأسفارُ
وتثنَّتْ تلك المواهبُ نشوى = فرباها ترابُها محبارُ
منذ ستين بل تزيدُ تراءت = بك جذلى أيامُها والفخارُ
لك كلُّ الترحابِ في أيِّ أرضٍ = وطئتْها خطاك والأفكارُ
وابتهاجٌ يُومِي بمنزلةٍ عليا . = . لدى القومِ ومضُه خطَّارُ
واحتفاءٌ به المحبةُ تُلفَى = وله الناسُ أبرموا واختاروا
ماتناسوا أبا أسامة أغنى = أدبا تشدو طهرَه الأمصارُ
ما ونى عبدُاللهِ والعزمُ أوفى = فمشاويرُه الحِسانُ تُثارُ
في قضايا لأُمَّةٍ مزَّقتْها = فتنُ المرجفين والأخطارُ
فلهذا الأديبِ صوتٌ يدوِّي = لايحابي فللأديبِ اعتبارُ
حزتَها يا أبا أسامة مجدا = لايجاري مكانَها الأغيارُ
ماجهلناه فالمآثرِ كُثرٌ = في كنوزٍ يفوحُ فيها الغارُ
والمقالاتُ لم تزل مقمراتٍ = لاتجافي أنوارَها الأنظارُ
واهتماماتُك الأثيرةُ تُنبي = عن حفيٍّ أطيابها تختارُ
ماتناءى عن الفرائد يروي = في زمانٍ عنوانُها الزخَّارُ
دعوةٌ للهِ العظيمِ أتانا = بهداها نبيُّه المختارُ
قد حبا السَّعيُ بالعقيدةِ صبرا = وجهادا فرسانُه الأبرارُ
وأناروا وجهَ الوجودِ بدينٍ = بيديه الإيرادُ والإصدارُ
أنقذ الخلقَ من ضلالٍ وجهلٍ = وقياداتٍ رأسُها ختَّارُ
ولِما قد كتبْتَ أقبل جيلٌ = هاهمُ اليومَ للهدى أنصارُ
والحقول التي سقيتَ ثراها = أنبتتْ مَن هم هاهنا الأخيارُ
يتنادون إن دعا أدبٌ يحيي . = . تراثا أماته الأشرارُ
وأزالوا زور الحداثةِ عمَّنْ = بالتَّجنِّي غرَّتْهُمُ الأوكارُ
ذاك ممَّا أعطيتَ للنَّهجِ زادا = من سُمُوِّ الآدابِ حين يُثارُ
وتصدَّى به الشَّبابُ لغزوٍ = أجنبيٍّ آدابُه تنهارُ
فجزاك الرحمنُ ربي ثوابا = فالمزايا ربيعُها مدرارُ
وجزى الإخوةَ الكرامَ أقاموا = لِحِمَى الكَلْم حيثُ كان الجدارُ
البيانُ البليغُ والقيمُ العليا .= . أفاضتْ بكنهها الأشعارُ
والمثاني كنزُ الأديب إذا ما = بالمعاني تسابقَ الأخيارُ
وهدى المصطفى دليل ارتقاءٍ = ليس للهَدْيِ في السُّمُوِّ انكسارُ
فابتهجْ عبدَاللهِ هاهم تآخوا = نحوَ فُصْحَاهم قد قلاها الغبارُ
أكرمتْها جهودُهم فتثنَّتْ = طربًا إذْ لواؤُها الخطَّارُ
تُرفعُ الرايةُ الأثيرةُ نشوى = رغم حقدٍ يثيرُه الفُجَّارُ
ما استمالتْهُمُ الزخارفُ جاءت = من أعَادٍ لشانئيها ازورارُ
وستبقى هي الخميلةُ خضراءَ . = . جذورٍ فروعُها استثمارُ
ستعيدُ الأيامُ تاريخَ مجدٍ = في فصولٍ لخيرِها استمرارُ
نحن مَن علَّم الأنامَ رقيًّا = وحضاراتُ غيرنا تنهارُ
وزرعنا رحابها بيدينا = فلجيلِ مضى له الإكبارُ
تزدي الأرضُ من شميم خطانا = قبل أن يملأ البلادَ انهمارُ
الشَّبابُ الوثَّابُ للفضلِ أوْفَىْ = بعهودٍ فما لهم أعذارُ
وتخطَّوا بصبرهم وثباتٍ = عقباتٍ لأهلها استنفارُ
لم نزل نذكرُ المحاسنَ كانت = للميامين حيثُ طابَ النِّجارُ
فأبو محمود الأديب فأكرمْ = مَن له في المسيرةِ الآثارُ
وله تشهدُ المواقفُ نبلا = ولطغيانهم له استنكارُ
ومئات من هؤلاءِ استجابوا = ولبذلٍ يُستَصْرَخُ الأبرارُ
فاصطفاهم ربُّ الورى شهداء = فلهم من فضله استبشارُ
هم أناروا وجهَ الوجودِ وردُّوا = شبهاتٍ روَّادُها الفُجَّارُ
فزها في المرابعِ الخضرِ عهدٌ = خلَّدتْهُ في سِفرِها الأعمارُ
ويقولُ الأحفادُ كانوا وإنَّا = بهداهم ستفرحُ الأقطارُ
نحنُ مَن علَّمُوا الأنامَ سُمُوًّا = بالمثاني فولَّت الأوزارُ
وأتينا بمنهج اللهِ فيه = لأُولي الفضلِ عزَّةٌ وافتخارُ
ونشرنا أوفى المعارفِ أغنتْ = مَن أتاها فدأبُنا الإيثارُ
وزرعنا بلدانهم بيدينا =فتثنَّتْ في الجنَّة الأزهارُ
يوم كان الأنامُ في تيه جهل = ولهم عن نورِ الحنيفِ انحسارُ
فتعالى الرحمنُ يوم اصطفانا = بنَبِيٍّ فغابت الأعذارُ
ومنحناهمُ الإخاءَ جليًّا = لم تُشِبْهُ اللأواءُ والأكدارُ
إخوة الدربِ ما تلاشتْ خطاكم = أو تخلَّتْ عن الأمانةِ دارُ
في بيوتات المسلمين رجالٌ = ونساءٌ لايعتريهم صَغارُ
لم تزل تبعدُ العقيدةُ عنهم = عقباتٍ خطوبُهُنَّ كِبارُ
والمثاني ملء القلوبِ يقينا = حفظَ السَّعيَ لم ينلْهُ الغبارُ
وأحاديثُ السُّنَّةِ اليوم عادتْ = فالليالي عبادةٌ والنَّهارُ
وأراهم في كلِّ حدبٍ وصوبٍ = تتباهى بالصَّالحين الدِّيارُ
وهم المصطفون في العصرِ هلُّوا = ولدينِ الهدى همُ الأنصارُ
قمْ تَرَ اليومَ جمعَهُم علماءً = أدباءً وحشدُهم جرَّارُ
أنتَ في صفِّ موكبٍ أحمديٍّ = مالوَاهُ الدولارُ والمزمارُ
فابتهج يا أبا أسامة هاهم = مَن تربَّوا في حقلكم قد ساروا
وتناءَوا عن كلِّ زيفٍ مُوَشَّى = بالأباطيلِ زهوُها ختَّارُ
فلديهم من الشَّريعةِ كنزٌ= ليس يفنى وفي الخباءِ يسارُ
ما أضرَّتْهُمُ الحضارةُ تاهتْ =في الدياجيرِ ويحها الأبصارُ
ليس يرضون أن يكونوا عبيدا = ليذلَّ النفوسَ ذا الدولارُ
لم يزالوا إذا المعامعُ ضجَّتْ = بالمنايا مافيهمُ الخوَّارُ
أُسدُ دينِ العزيزِ جلَّ تعالى = لهمُ اليُسرُ منه لا الإعسارُ
ولهم فتحُه القريبُ تراءى = ليس في وعدِ ربِّهم إنكارُ
أطربتْهم مافي الكتابِ من البشرى . = . فطوبى وللدموع انهمارُ
لِلِقاءِ الرحمنِ بعدَ جهادٍ = فيه خيرٌ وعزَّةٌ وانتصارُ
يا أخانا ماافترَّ حفلٌ بِكَلْمٍ = وتهادى بيانُه السَّبَّارُ
في مكانٍ إلا وأنت حفيٌّ = بالعطاءاتِ فيضُها مدرارُ
أوتسامتْ بالبشرياتِ القوافي = فحُداها للمخلصين ادِّكارُ
لشبابٍ على الطريق تنادوا = لم يبالوا فللهدى أحرارُ
فهو القفرُ إن سقته يدانا = فَبِرُكْنَيْهِ تمرعُ الأشجارُ
سيولَّي الظلامُ يدركه النُّورُ . = . وللناسِ لهفةٌ و انتظارُ
فجرُ مجدِ الإسلامِ عادَ فمرحى = ولْترفرفْ بروضه الأطيارُ
نعمةُ الدِّينِ لم ينلْها سِواهم = ولْيُوَلِّ الطاغوتُ والأشرارُ
ليس يطوي التاريخُ صفحةَ خير = فبناءُ الإسلامِ لاينهارُ
يحملُ الرايةَ الأثيرةَ قومٌ = ليس فيهم مُدلِّسٌ خمَّارُ
ماتناسوا أجدادَهم فالمغاني = عزماتٌ وحكمةٌ و وقارُ
ذكَّرتْنيهُم الوجوهُ استنارت = ولأنتم أخيارُها الأبرارُ
فاقْبَلَنْها أبا أسامة منِّي = نفحاتٍ لوشيِهنَّ اخضرارُ
مانسيناك والصروفُ شدادٌ = باعدَتْنا أعدَّها الجزَّارُ
ما اسْتَكَنَّا لظالمٍ أو ركعنا = لذميمٍ فربُّنا القهَّارُ
والليالي آناؤُها في مخاضٍ = وسيأتي مولودُها المغوارُ