طلليةٌ فلسطينية
محمد أبو نصيرة
وقفَ الغريبُ على بقايا جرحِهِ
وقفَ الغريب
يا صاحبي نبكي ونبكي للمكانِ وأهلِهِ
ولجرةٍ مكسورةٍ كقصيدةٍ مهجورةٍ
طمستْ محاسنُها
وعشعشَ في نوافِذِها الزمان
الشعرُ لا يكفي لنبكي
ذكرياتِ القمحِ
والعشبَ الموزعَ فوقَ أقدامِ الرجالِ العابرين
يكفي شعوركُ أننا في حضرةِ الأطلالِ
أوراقٌ تبعثرُها الرياحُ..
أنا وأنت اثنانِ
كنا واحدا, لكنَّ حادثةَ
الحلولِ تباطأت عنا
وألفتنا وراءَ الجرحِ منفصلين
مَن منَّا تخلى عن بلاغتِهِ
وغيرَ آيةَ الجندي؟!
لم نشعرْ بفاجعةٍ على الأطلالِ
مرتْ روحُنا فوقَ العيونِ الدامعاتِ
ولم نحسَّ بصرخةِ الزيتونِ تُبعثُ
وسطَ أطلالِ المكان
كم قدْ عبثنا بالقلوبِ
ولم نقفْ لجلالِ أم ودعتْ أولادَها
سرْنا تسارَرْنا, وأذَّنَّا ولم نسمعْ زغاريدَ
الثواكل ِفي نواحي هذه الأطلال
يبستْ نهايَتُنا وذبُنا في معاريجِ الشقاق
نادتْ على دمِنا الأيائلُ
تمتم الليلُ العجوز
ولم نزلْ في الريحِ مختلفين
حدقنا إلى ماءٍ
وخففنا من الفوضى
لنبدو واثقينِ من النهايةِ
كلُ هذا النرجسِ المزهوِّ فينا!
يا لنا من سذجٍ
كنا نظنُ بأننا وطنٌ يئنُ
حصارَهُ ودمارَهُ
أو جارَهُ ملكَ الملوكِ
وسيدَ الألعابِ في عيدِ الخلود
يا صاحبي في حضرةِ الأطلال
قل لي: أيُ جنس للحجارة؟
ما اسمُ أنثى الريح؟
أين سينتهي هذا الغناء؟
وكم تبقى للقيامة؟
لازالتِ الأطلالُ تبكينا
وصرنا مثلَها نبكى ونرثى
كلما مرتْ بجانِبِها الحضارةُ
صورتْ منا مشاهدَ
كي توزعَنا على الأطفالِ
أو تلقي بنا في سلةِ التحفِ القديمة
فابتسمْ حتى على الأطلالِ نقدرُ
أن نغيرَ حاضراً يمضي, ولا يمضي بنا.
ماذا دهانا؟, لا نحسُ برجفةِ القيثار
أو أثرِ الكمنجةِ في أغانينا,
وإيقاعُ القصيدةِ في دمٍ
يخفي الحقولَ ويبعثُ الأحزان
والألوانُ شاحبةٌ تماماً
مثلَ أمٍ لم تزلْ تبكي وتبكي
منذُ أن غابَ الشهيدُ وطلتِ الأوثان.
كم من رسومٍ قد عفت والآنَ
هل آنَ اجتماعُ القلبِ في نهرِ الحكاية؟
عابرٌ هذا الشقاقُ
ولستَ قابيلَ, استدرتَ وقد سقطتُ
حملتَ عني الغيمَ والأحلامَ في دربِ الرجوعِ
حملتَني كحمامةٍ يا صاحبي
بعدَ المياهِ تعودُ في يدها السلام.
فاسمعْ أنينَ الجرح, صوتٌ واحدٌ إنَّا
وإنَّا لفظةٌ من أحرفٍ ستٍ
سنرجعُ هكذا هتفَ الغريبُ على بقايا روحِهِ
أطلالُنا غدنا
نطلُ على قمرْ
ولنا بلادٌ في الكنايةِ والحكايةِ
والرصاصةِ والحجرْ
ولنا بلادٌ في الأغاني والمعاني والصورْ
ولنا بلادٌ لا بلادَ لها سوى
قلبٍ وحيدٍ واحدٍ
ظلان من شمسٍ
وفرعٌ من مطرْ.