"ما أُخذ بالقوة.."!

"ما أُخذ بالقوة.."!

          لم يكن الطفل الشهيد "محمد جمال الدرة" ووالده على موعد مع الرصاص في شارع الموت، لكن الترسانة العسكرية الهمجية لم ترحمهما.

          والغريب أن لا يلتفت أحد إلى الشعار القديم المسطر على الجدار الذي استندت إليه الضحيتان، وقد كان ينطق بجواب صرختهما، ويشير إلى منطق المرحلة: (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة).

شعر : د . كمال أحمد غنيم

[email protected]

(محمد ما زال صوتك يعلو،

يكابر دمعُك.

ينادي أباك):

- تريث قليلا..

سيأتي الأباةُ،

ستأتي إليكَ

جحافل جيش يكفكف دمعك.

يلملم روحي،

يضمد جرحي وجرحك.

***

- ولكن محمد..

بريئا مضيت، بريئا ستمضي،

تداعب قلبك روح الطفولة،

أطياف حلمك!

فدعني أواجه عجز الجحافل،

خوف القوافل،

وحدي بكف،

يرفرف فيها الفراغُ،

وتصفر فيها الرياحُ،

تنادي بقايا ضميرٍ

بصوتٍ مريرٍ

يفتت صخر القنابل.

ويبعث في الموت نبض الحياة، يقاتل!

***

- وماذا أتاك؟!

رذاذ من الماء؟

زخات نار؟

رصاص عدو حياة يماطل؟!

فخبئ يديك،

ودعني أسافر!

أجوب عوالم حلمي المهاجر.

.. وهذا بكائي خذوه قميصاً

يواصل جلد العيون،

وجلد الحناجر.

وهذا عذابي خذوه فداءً

لشعبٍ يسافر فوق الجحيم،

ليحفظ بين يديه دموع الأزاهر.

وهذي دمائي خذوها أتوناً

يؤجج نار الحقيقة،

يشعل ثلج الضمائر.

***

- تريث قليلاً..

فهذا (بياض) يشق

الطريق إلينا..

يلون هذا السواد المكثف.

***

(أجاب صدى الصوت):

- لكن توقف!

فحمرة هذا الرصاص،

تمزق عشب الحياة،

شموخ النخيل،

ونزف الفؤاد المرفرف!.

***

- سلامي لهذا الوجود المجوف.

فخمسون عاماً بكينا

وخمسون دهراً صرخنا

فكان الجواب قوافل شجب مزيف!

وكانت تشير يداي،

لسطر يتيم ورائي وخلفك.

تلته عيوني، وتاقت دمائي

لصقل الحروف لمن جاء

بعدي وبعدك:

(تُرد الحقوق بزندي وزندك!).

(تُرد الحقوق بسيفي وسيفك!).

.. ودمي ودمك.

.. ونزفي ونزفك.

.. وعمري وعمرك.

وهذا الرصاصُ

يبلور حقي وحقك.

ويصنع بالدم بيتي وبيتك.

لتسكن روحي..

ويرتاح قلبي وقلبك!