ما غابَ حُبُّكِ يا دنيا و ما حَضَرا= سيّانَ عندِيَ عُمرٌ طالَ أم قَصُرا
يبيتُ همُّكِ في قلبي يُواعِدُني = في كلِّ يومٍ على ضرّاءهِ ضَرَرا
يُصارعُ الظلمَ لم تفترْ عزائمُهُ = ما همَّ نازلةٌ حُرّاً إذا صبَرا
يُطيعُهُ العزُّ في شمسٍ و في قَمَرٍ = يُسامرُ النجمُ في ليلِ الضنى قَمَرا
وتقذفُ النارُ مِن عليائه شرراً = لكلِّ مَن رضِيَ الإذلالَ مُفتخَرا
كالرّعدِ يسبقهُ برقٌ بصولتِه = فتكتسي الأرضُ مِن بعد الرّدى شجرا
أعمارُنا مثلَ طيفٍ جاءَ مُغتصباً = على الكراهةِ مِن طولِ الكرى ضَجَرا
أين الأُلى اتّخذوا الأمجادَ رايتهم = وكلّلوا الشمسَ مِن أسيافِهم ظفرا
دانت لهم أُممٌ أعيت كتائبُهم = مِن سطوةٍ, كلَّ غازٍ طاولَ النظرا
عانت شعوبٌ من الأهوالِ مُرغمةً = ما ذنبُها وهْيَ ترجو العيشَ مستَترا
تُفارقُ الأهلَ و الأوطانَ يقهرُها= أطماعُ مَن سرقوا الغيماتِ والمطرا
تغفو على وجعٍ يجتثُّهُ وجعٌ = أحزانُنا كلّها صارت لنا قّدّرا
ويسخرُ الّليلُ منّا مِن مساوئنا = يا ليلُ أُدعُ إلى ظلمائكَ القمرا
يا ليلُ كم طالَ فيكَ الهمُّ يُقلقُهُ = من أنْ يجيء نهارٌ يُخلفُ الكدرا
أطلتَ فينا مكوثا غيرَ مُكترِثٍ = بنا ؟ ونحنُ نيامٌ ضيّعوا الأثرا
أمجادُنا رايةٌ بيضاءَ نرفعُها = ما أنجبَ الذلُّ إلاّ الخوفَ والسَمَرا
نبني الحضارةَ قرنا ثمَّ نهدمُها = في لحظةٍ مِن زمانٍ ظلَّ مُنكسِرا
عُدنا إلى الجهلِ ضيّعنا أصالتَنا = كُنّا منابعَ نورٍ تُبهرُ البصَرا
شمسٌ تغيبُ وللآصالِ صولتُها = أسيافُنا خذلت كفَّ الّذي نصَرا
خيولُنا نتسلّى في مفاتنها = وقبلُ كانت تباري العزَّ مُقتَدَرا
يا أيُّها المجدُ إنّا أُمّةٌ هجرَت = مِن طيشها العزَّ والإقدامَ والظفرا
وكانت الأممُ الظلماءُ تُغرقُها = في آفةِ الظلمِ يكسوها الهوى صِغَرا
والعدلُ يورثُ صبراً, في إرادتهِ = تحيا الشعوبُ ويمحو صحوُها الخدرا
حتّى استردّت مع الإصرارِ عافيةً = تُسارعُ الخطوَ للآمالِ مُستعرا
تستلهمُ النورَ مِن أوجاعِها لهبا = وحوّلَت ذهباً مِن تُربها الحجرا
مدّت سواعدَها الأبناءُ وانتفضت = معاولُ الخيرِ فيها ترتقي القمرا
واستبدلت بظلام الّليلِ نهضتها = وصارت الشمسُ للأجيالِ مُفتخَرا
واستلهموا من مواضيهم بدايتَهم = صاغوا الحضارةَ مِن ماضٍ بهم فخُرا
لن يوقظوا فِتَنَ الماضي وقد دفنوا = أشلاءَهُ فتعافى حاضرٌ عُمُرا