كان الأستاذ عبد العزيز الرفاعي عميد الندوة الرفاعية، والرائد الأول للندوات الأدبية والفكرية في الرياض، نموذجاً مشرقاً للنبل وحسن الخلق.
إليه وهو في دار البقاء هذه الأبيات حباً ودعاء وتحية.
([1]) قال تعالى في سورة ق: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).
([2]) ألقى الفقيد في الحفل الذي أقيم لتكريمه بنادي جدة الأدبي قصيدة رائعة اسمها ((سبعون)) رثى فيها نفسه، وهذا البيت وأخوه التالي يشيران إلى ذلك ويتضمنان ما قاله الشاعر الفقيد.
([3]) هو الأستاذ أحمد محمد جمال، صفيّ الشاعر وتربه، وقد سبقه إلى الدار الآخرة بشهور.
([4]) دفن الفقيد في مكة المكرمة حرسها الله.
([5]) الفقيد صاحب أول وأعرق منتدى أدبي ظل يقام في بيته كل خميس ليلاً لأكثر من ربع قرن.
([6]) كان الفقيد يودع زواره عند انفضاض ندوته بعطر نفيس.
الموت سيف في البرية يَبْرق=ما زال يعتام الكرام ويُرْهِق
يحمي الفتى دهراً فإن حُمّ القضا=أهوى عليه بفتكةٍ لا تشفق
راياته منشورة وخيوله=الغرب مسرح عدوها والمشرق
ولقد تخطفت العميد بسَحْرَةٍ=فمضى لغايته ونحن سنلحق
* * *=* * *
عبد العزيز سبقت أسرعت الخطا=لا غرْوَ إنك في الرفاق الأسبق
عصفت بك الأدواء عصفة فاتك=ما زال يعبث بالكرام ويَحْمَقُ
يجتاح جسمك بيد أنك دوحة=بالرغم من عسف المكاره تسمق
تشقى وينعم قاصدوك بظلها=وتظل تمنح والبشاشة تشرق
حتى إذا أزف الرحيل وأسرجت=عند الوداع خيوله والأيْنُق
ودعا المنادي أن هلم وغودرت=أستار غيب الله وهي تمزق ([1])
ماتت ولكن وهي شامخة الذرى=والركب يعجب إذ يراك ويرمق
موت كما تهوى عليه مهابة=يهدى لمن صنعوا الجميل وأعرقوا
ما هالك الموت الزؤام وإنما=قد جئته ثَبْتاً تُغِذُّ وتُعْنِق
ومضيت للرحمن ترجو عفوه=والآي زادك واليقين الموثق
* * *=* * *
قالوا نعيت إلى الحياة غرورها=ورثيت نفسك والفِراسة تصدق
وذووك بين عنائهم ورجائهم=والحشد مطروف النواظر مطرق
ووقفت تنشد واللواعج جمة=ولأنت بالغرر الخوالد أليق
سبعون([2]) قد وفد الشتاء يزورني=والنار قد خمدت وجف المورق
حنت إلى عبق التراب جوانحي=لا غَرو يشتاق الرفيقَ الأرفق
وأخي([3]) الأثير يحث خطو ركائبي=ويظل من بين الغيوب يحدق
وعليه من حلل الكرامة تاجها=وهناءة الرضوان والإستبرق
ويقول لي: فيم التريث يا أخي=أنسيت موعدنا؟ حذارِ سأقلق
أقبل أبا عمار إنك ضيفنا=لا أعهدنك حين تدعى تَفْرق
ولقد سبقتك وانتظرتك فائتني=وأنا أخوك المصطفى والأعرق
فأجبته في لذة محبورة=حان اللقاء وإنني المتشوق
أنا عند عهدك يا جمال سريرتي=محض الوفاء وزهوه والزنبق
ها قد أتيتك فارتقبني غدوة=طوي الشراع وضل مني الزورق
وأنا أسير الموج لكن الرجا=يطوي المخاوف والصعاب ويسبق
وغداً على باب الكريم لقاؤنا=والموت يجمع يا أخي ويفرّق
ولنا من الرحمن أوسع مأمل=فلم المخاوف من لقاء يعشق؟
ومع المخافة والرجاء مفازة=والله نعم المستعان المغدق
* * *=* * *
نم في جوار البيت([4]) نومة هانئ=البشريات بساحه تتدفق
الكعبة الزهراء منك قريبة=والآي تتلى والحمام يحلق
والحج والجمع الحسان مواكب=والمئذنات ونورها والرونق
وعلى محيّاك النبيل بشاشة=كالورد يغمرها السنا ويطوّق
يلقاك بالرضوان نفح دعائنا=وتزورك الرحمات وهي الأعبق
والعفو والغفران فيك قلادة=يرنو لها الأبرار وهي تألق
* * *=* * *
فإذا حثثنا الركب فارقب وفدنا=واجمع أحبتك الذين تفرقوا
وتلقّهم لقيا الصفيّ صفيّه=والعهد أنك ذو وفاء يصدق
وأقم نديّك([5]) فالرفاق تشوّفوا=لرواقه واستعجلوا وتحلّقوا
شعر وفكر وائتلاق خواطر=ودعابة تزجى وعود يحرق
وأخوّة كالفجر برأها الرضا=من كل شائبة وحب يورق
صفو وأنس واجتماع أحبة=فتعود ندوتك البهيجة تشرق
والعطر([6]) إن حان الوداع تحية=للمنتدين تظل ريا تنشق
في القلب منها والجوانح بردة=للأكرمين نسيجها لا يَخْلُق
الودّ يكلؤها ويحرسها الوفا=ورواؤها خضل الحواشي ريّق
* * *=* * *
عبد العزيز إليك ذوبُ سرائر=خلصت وأنت بكل فضل أخلق
ودعاءُ أصحاب شكوا فقد العلا=قالوا وقد حزنوا الغداة وأرهقوا
العالم الباقي ملاذ أفيح=حيث انتهيت ونحن سجن ضيق