في رثاء الشاعر الكبير عمر أبو ريشة
*****
*****
*****
([1]) هذا الشطر من قصيدة الشاعر في الأخطل الصغير، التي قالها في حفل تأبينه.
([2]) للشاعر قصيدة شهيرة اسمها ((نسر)) كان حفياً بها، ويبدو أنه كان يقصد بها نفسه.
([3]) هذا الشطر من قصيدة الشاعر في الأخطل الصغير، التي قالها في حفل تأبينه.
([4]) للشاعر مجموعة شعرية عنوانها ((غنيت في مأتمي)).
([5]) هذا الشطر من قصيدة للشاعر اسمها ((بعض الطيور)).
الشعر أنت وأنت الناي والوتر=والشمس دارك والأفلاك والقمر
والشعر خدن الدراري في تألّقها=وأنت خدن القوافي الغرّ يا عمر
وأنت فارسها في كل معتركٍ=وفيك من مترفيها الزهو والظفر
أنت الأصالة والفصحى إذا طربت=وجذوة بالبيان الثر تستعر
وشعرك الشعر أطياف مجنّحة=هنّ العرائس والأبكار والدرر
باق على الدهر لا يخبو له وهج=((ولم يغب عن حواشي ليله سمر))([1])
وغرة أنت في سفر الخلود لها=سبق المجلّي ووجه بالسنا نضر
يمناك في موكب التاريخ ظافرة=وملء يسراك ما العلياء تفتخر
شعر وكبر وإنشاد وأغنية =يهفو لها الناس والأطيار والشجر
إذا ترنّمت قال الناس في ولَهٍ=اليوم يسكرنا في شدوه عمر
بيانه السحر والإبداع ديدنه=أصخْ بسمعك هذي آيه الغرر
قد زانها الله بالإلهام تبدعه=قريحة حية كالغيث تنهمر
مرحى أبا شافع يا شاعراً غرداً=المترفات على بستانه زمر
زفته للمجد والدنيا تباركها=ومهرجانُ العُلا والسمع والبصر
وحوله الرمل والصحراء شاهدة=ودونه الطلّ والخضراء والشجر
وموكب الشعر تيّاه بسيده=والمبدعون ومن غابوا ومن حضروا
قالوا وصدقهم مجد ظفرت به=وصدّق الخبر ما قالوه والخبر
هذا الأمير، أمير الشعر فارسه=قَلِّده في عرسه التاج الذي ضفروا
يا حارساً راية الفصحى وفارسها=طابت وطبت وطاب الورد والصدر
رددت للشعر في كبر كرامته=فكان حيث العلا والزهو والظفر
أسكنته النجم لما صنت مورده=عن الدنايا فلا مين ولا كدر
فكان في غاية يشتاقها زحل=وحيث تشتاق طول العمر يا عمر
رفعت أمجاده فوق السماك فما=يرقى إليها بغاث الشعر والهذر
وكنت بلبله الصدّاح منشده=في كل رابية من شدوه أثر
غنَّيتَه بالقوافي الزهر ملحمة=طابت وجاءت عروساً وهي تفتخر
وتغلب الكارهين الضاد من نفر=هم العدو وإن أخفوا وإن جهروا
حميت فصحاك من باغٍ يمزّقه=حقد عليها فما يبقي وما يذر
وصنتها عن خؤون في جوانحه=تغلي السخائم والبغضاء والقذر
على أذان بلال في منارته=والكون يعشقه والفجر والسحر
على الكتاب الذي ترنو القرون له=وقد أضاءت دياجي ليلها السور
خاب الحقود وخابت منه أمنية=والحقد ينحر من ضلوا وينتحر
مرحى أبا شافع قد عشت ضاربة=في السحب أمجادك الغراء تنتشر
كنت الإباء وكنت النسر([2]) شامخة=راياته وأعاديهِ قد ائتمروا
فما حنى هامة إلاّ لخالقه=ولم يزلزله في طوفانه الخطر
يُطامن الذل أعناق الرجال فما= يبقى على مهيع الأحرار من ذعروا
ويقتل الخائفون الموتَ أنفسَهم=وإن نأت بهمُ الأسوار والجدر
ويقتل الرعب من أربت مخاوفهم=وليس ينقذهم من رعبهم حذر
ويقتل الموت من خافوه وادّرعوا=بالجبن ضلوا وضل الجبن والخور
يموت كل جبان من مخاوفه=والمؤمنون لهم إيمانهم وزر
وما على الحر إن كانت منيته=آماله فهو يرجوها وينتظر
الحق غايته ما انفك يطلبه=هتافه: الحسنيان الموت والظفر
وملء أضلاعه الإيمان يحرسه=والمؤمنون ومن باعوا ومن صبروا
وسيفه بيعة لله رابحة=وحصنه بين أشداق الردى القدر
يغشى شعاب المنايا وهي كالحة=يسعى إليها ويصلاها ويصطبر
والحرّ يلقى المنايا وهو مقتحم=((تموت وهي على أقدامها الشجر)) ([3])
عفواً أبا شافع ما كنت أحسبني=أبكي عليك فأنت المجد يا عمر
ونفسك القمة الشماء باذخة=ما شانها قط في ترحالك الخور
وأنت غنيتــــها شـــعراً بمأتـمها([4])=((بعض الطــــيور تغني وهي تحتـضر))([5])
لكن بكت بعدك الفصحى منابرها=لما تسوّرها باغون قد غدروا
أنا الوفي لها أبكي لمأتمها=فملء أجفاني الأحزان والكدر
عفواً أبا شافعٍ، الفجرُ موعدنا=والشعر والنصر والرايات والشرر
والخيل تصهل والتكبير عاصفة=على البغاة وملء الساح من صبروا
من كل أروع مثل السيف مهجته=وحرّة قلبها بالعزم يأتزر
لبّى ولبّت ولبّى المسلمون وقد=زفّ البشائر في ألواحه القدر
غد العروبة والإسلام ملحمة=بالنصر زاحفة والبغي مندحر
فغنها غنها في الخلد قافية=واطرب ورنح بها التاريخ يا عمر